الحقوق، قال صلى - ﷺ -: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِى فِى امْرَأَتِكَ» (١).
فإذا كان هذا في القيام بمؤونة الجسد وتربيته، فما ظنك بثواب القيام بالتربية القلبية بتعليم العلوم النافعة والأخلاق العالية فهذا أعظم أجر وثواب قال صلى - ﷺ - «لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» (٢).
كذلك رحم الله المعلمين والمتعلمين للعلوم النافعة الدينية وما أعان عليها، فالمعلمون جعل نفس تعليمهم أجلّ الطاعات وأفضلها، ثم ما يترتب على تعليمهم من انتفاع المتعلمين بعلمهم ثم تسلسل هذا النفع فيمن يعلمونه ويتعلم ممن علموه مباشرة أو بواسطة، فكل هذا خير وحسنات جارية للمعلمين ونفع مستمر في الحياة وبعد الممات قال صلى - ﷺ -: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (٣). وكذلك رحم الله المتعلمين حيث قيض لهم من يعلمهم ما يحتاجونه في أمور دنياهم ودينهم، ويصبر على مشقة ذلك، ولهذا وجب عليهم أن يكافئوا المعلمين بالقيام بحقوقهم ومحبتهم واحترامهم وكثرة الدعاء لهم، وعلى الجميع أن يشكروا الله بما قيض لهم ويسر من الأسباب النافعة التي توصلهم إلى السعادة.
ومن رحمة هذه الشريعة توصيتها وحثها على الإحسان إلى اليتامى والمضطرين والبائسين والعاجزين والحنو عليهم والقيام بمهامهم وإعانتهم حسب الإمكان وأوصي الله ورسوله بمماليك من الآدميين والحيوانات أن يقام بكفايتهم ومصالحهم وأن لا يكلفوا من العمل ما لا يطيقون، ففي هذا رحمة للمماليك والبهائم، ورحمة أيضًا للملاك والسادة من وجهين: أحدهما أن قيامهم بما يملكون هو عين مصلحتهم ونفعه عائد
(٢) رواه البخاري (٢٩٤٢).
(٣) رواه مسلم (٤٣١٠).