الثاني: لايتأدى فرض القراءة في الركعة بها، ولاتصح الصلاة فيما لو اقتصر عليها وهذا ما نسبه جمهور الحنفية - ومنهم السرخسي والبخاري - للإمام أبي حنيفة، خلافاً لما قاله التمرتاشي (١).
قال السرخسي: ولكن لايتأدى بها فرض القراءة في الركعة، عند أبي حنيفة؛ لاشتباه الآثار واختلاف العلماء... وما كان فرضاً مقطوعاً به لايتأدى بما فيه شبهة، ولسنا نعني الشبهة في كونها من القرآن؛ بل في كونها آية تامة (٢).
قلتُ: الصحيح من مذهب أبي حنيفة: أنها آية تامة مستقلة بنفسها.
وقد ذكر صاحب فواتح الرحموت تعقب بعض شراح أصول البزدوي لهذا الكلام، حيث قال: وتعقب عليه الشيخ الهداد في شرح أصول الإمام البزدوي؛ بأنه حينئذٍ ينبغي أن لاتجزئ بقراءة الحمد لله رب العالمين؛ إذ قد خولف في كونه آية تامة.
ثم قرر أصل الكلام: بأنه قد خولف في قرآنية البسملة، مع كون القراءة فرضاً بالإجماع، فلم تجز بها ً احتياطا، وعلى هذا ينبغي أن لاتجزئ في كل مختلف فيه، فلاتصح من غير قراءة الفاتحة؛ إذ لا فرق عند التحديق (٣).
ثم إنه لا معنى للاحتياط عند من يقطع بالقرآنية، وكونها آية تامة؛ لأن برق الحقيقة قاطع للشبهات فافهم (٤).
قلتُ: وهذا كلام في غاية الإلزام، لمن قال بعدم تعين قراءة الفاتحة.
أمَّا على قول الأئمة الثلاثة بتعيين قراءة الفاتحة لصحة الصلاة، وعدم الاكتفاء بما تيسر من القرآن سواها، فلا إشكال في القول بعدم تأدي فرض القراءة في الركعة بالبسملة (٥)، لكن المأخذ مختلف، والله أعلم.

(١) انظر: أصول السرخسي ٢٨١ / ١، وكشف الأسرار، الموضع السابق.
(٢) أصول السرخسي، الموضع السابق، وانظر: شرح التلويح على التوضيح. ٤٧ / ١
(٣) هكذا جاء اللفظ بمثناة فوقية، ثم حاء، ثم دال، والمراد به: شدة النظر، كما في القاموس المحيط، مادة: ح د ق ٢٢٦ / ٣، ومختار الصحاح، نفس المادة ص. ١٢٦
(٤) فواتح الرحموت. ١٥ - ١٤ / ٢
(٥) انظر: الأم ١٠٧ / ١، وبداية المجتهد ١٥٩ / ١، والمغني. ١٤٦ / ٢


الصفحة التالية
Icon