وإذا ظهر الفرق بين الاسم والمسمّى فبقي ها هنا التسمية، وهى عبارة عن فعل المسمِّى ووضعه الاسم للمسمَّى، كما أن التحلية عبارة عن فعل المحلي ووضعه الحلية على المحلَّى فهنا ثلاث حقائق، اسم ومسمّى وتسمية (كحِلْيَة ومُحَلّى وتَحلِيَة)، و (عَلاَمة ومعَلَّم وتَعْلِيم)، ولا سبيل إلى جعل لفظين منها مترادفين على معنى واحد لتباين حقائقها، وإذا جعلت الاسم هو المسمّى، بطل واحد من هذه الحقائق الثلاثة ولابد (١).
وأما دليلهم الثاني: وهو قوله تعالى ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾ مريم/٧، فالاسم الذى هو يحيى هو هذا اللفظ المؤلف من (ياء وحاء وياء) هذا هو اسمه، ليس اسمه هو ذاته، ثم لما ناداه فقال ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ مريم/١٢، فالمقصود المراد بنداء الاسم هو نداء المسمّى لم يقصد نداء اللفظ، لكن المتكلم لا يمكنه نداء الشخص المنادى إلا بذكر اسمه وندائه، فيعرف حينئذ أن قصده نداء الشخص المسمّى.
وأما دليلهم الثالث: وهو قوله تعالى ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم﴾ يوسف/٤٠، فاستدلالهم به غير صحيح، وهو - أي الدليل- حجة عليهم: لأن المراد في الآية أنهم سموها آلهة، واعتقدوا ثبوت الإلهية فيها، وليس لها من الإلهية إلا مجرد الأسماء، لا حقيقة المسمّى فما عبدوا إلا أسماء لا حقائق لمسمياتها، وهذا - كما يذكر ابن القيم - كمن سمى قشور البصل لحمًا وأكلها، فيقال: ما أكلت من اللحم إلا اسمه لا مسمّاه (٢).
وأما دليلهم الرابع وهو استدلالهم ببيت لبيد، فقد أجيب عنه بعدة أجوبة منها:

(١) تفسير الطبري ١/٣٩
(٢) بدائع الفوائد ١/١٩


الصفحة التالية
Icon