المسمين والشيء قد يسمى باسم دلالته كما يسمى المقدور قدرة. قال: فعلى هذا يكون معنى قوله: باسم الله: أي بالله والباء معناها الاستعانة وإظهار الحاجة وتقديره: بك أستعين وإليك أحتاج وقيل تقدير الكلمة: أبتدئ أو أبدأ باسمك فيما أقول وأفعل. قلت: لو اقتصروا على أن أسماء الشيء إذا ذكرت في الكلام فالمراد بها المسميات - كما ذكروه في قوله (يَا يَحْيَى) ونحو ذلك - لكان ذلك معنى واضحًا لا ينازعه فيه من فهمه لكن لم يقتصروا على ذلك؛ ولهذا أنكر قولهم جمهور الناس من أهل السنة وغيرهم؛ لما في قولهم من الأمور الباطلة مثل دعواهم أن لفظ اسم الذي هو (اس م) معناه ذات الشيء ونفسه وأن الأسماء - التي هي الأسماء - مثل زيد وعمرو هي التسميات؛ ليست هي أسماء المسميات وكلاهما باطل مخالف لما يعلمه جميع الناس من جميع الأمم ولما يقولونه. فإنهم يقولون: إن زيدًا وعمرًا ونحو ذلك هي أسماء الناس والتسمية جعل الشيء اسمًا لغيره هي مصدر سميته تسمية إذا جعلت له اسمًا و (الاسم) هو القول الدال على المسمى ليس الاسم الذي هو لفظ اسم هو المسمّى؛ بل قد يُراد به المسمّى؛ لأنه حكم عليه ودليل عليه.
وأيضًا: فهم تكلفوا هذا التكليف؛ ليقولوا إن اسم الله غير مخلوق ومرادهم أن الله غير مخلوق وهذا مما لا تنازع فيه الجهمية والمعتزلة؛ فإن أولئك ما قالوا الأسماء مخلوقة إلا لما قال هؤلاء هي التسميات فوافقوا الجهمية والمعتزلة في المعنى ووافقوا أهل السنة في اللفظ. ولكن أرادوا به ما لم يسبقهم أحد إلى القول به من أن لفظ اسم وهو (ألف سين ميم) معناه إذا أطلق هو الذات المسمَّاة؛ بل معنى هذا اللفظ هي الأقوال التي هي أسماء الأشياء مثل زيد وعمرو وعالم وجاهل. فلفظ الاسم لا يدل على أن هذه الأسماء هي مسمَّاه. ثم قد عرف أنه إذا أطلق الاسم في الكلام المنظوم فالمراد به المسمّى؛ فلهذا يقال: ما اسم هذا؟ فيقال: زيد. فيجاب باللفظ ولا يقال: ما اسم هذا فيقال هو هو؛ وما ذكروه من الشواهد حجة عليهم. أما قوله: (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى) مريم/٧ ثم قال (يَا يَحْيَى) فالاسم الذي هو يحيى هو هذا اللفظ المؤلف من (ياء، حاء، ياء) هذا هو اسمه ليس اسمه هو ذاته؛ بل هذا مكابرة. ثم


الصفحة التالية
Icon