لما ناداه فقال: (يَا يَحْيَى) فالمقصود المراد بنداء الاسم هو نداء المسمّى؛ لم يقصد نداء اللفظ لكن المتكلم لا يمكنه نداء الشخص المنادى إلا بذكر اسمه وندائه؛ فيعرف حينئذ أن قصده نداء الشخص المسمّى وهذا من فائدة اللغات وقد يدعى بالإشارة وليست الحركة هي ذاته ولكن هي دليل على ذاته.
وأما قوله (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) الرحمن/٧٨، ففيها قراءتان: الأكثرون يقرءون (ذِي الْجَلَالِ) فالرب المسمَّى: هو ذو الجلال والإكرام. وقرأ ابن عامر (ذو الجلال والإكرام) وكذلك هي في المصحف الشامي؛ وفي مصاحف أهل الحجاز والعراق هي بالياء. وأما قوله (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) الرحمن/٢٧، فهي بالواو باتفاقهم قال ابن الأنباري وغيره "تبارك" تفاعل من البركة والمعنى أن البركة تكتسب وتنال بذكر اسمه؛ فلو كان لفظ الاسم معناه المسمّى لكان يكفي قوله تبارك ربك فإن نفس الاسم عندهم هو نفس الرب؛ فكان هذا تكريرًا. وقد قال بعض الناس: إن ذكر الاسم هنا صلة والمراد تبارك ربك؛ ليس المراد الإخبار عن اسمه بأنه تبارك؛ وهذا غلط فإنه على هذا يكون قول المصلي تبارك اسمك أي تباركت أنت ونفس أسماء الرب لا بركة فيها. ومعلوم أن نفس أسمائه مباركة وبركتها من جهة دلالتها على المسمى. ولهذا فرقت الشريعة بين ما يذكر اسم الله عليه وما لا يذكر اسم الله عليه في مثل قوله (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) الأنعام/١١٨، وقوله (وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) الأنعام/١١٩، وقوله (وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) المائدة/٤، وقول النبي - ﷺ - لعدي بن حاتم «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ». قُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِى فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ قَالَ «فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ» (١).
وأما قوله تعالى (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا) يوسف/٤٠، فليس المراد كما ذكروه: أنكم تعبدون الأوثان المسماة فإن هذا هم معترفون به. والرب تعالى

(١) رواه البخاري (١٧٥).


الصفحة التالية
Icon