نفى ما كانوا يعتقدونه وأثبت ضده ولكن المراد أنهم سموها آلهة واعتقدوا ثبوت الإلهية فيها؛ وليس فيها شيء من الإلهية فإذا عبدوها معتقدين إلهيتها مسمين لها آلهة لم يكونوا قد عبدوا إلا أسماء ابتدعوها هم ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن الله لم يأمر بعبادة هذه ولا جعلها آلهة كما قال (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) الزخرف/٤٥، فتكون عبادتهم لما تصوروه في أنفسهم من معنى الإلهية وعبروا عنه بألسنتهم وذلك أمر موجود في أذهانهم وألسنتهم لا حقيقة له في الخارج؛ فما عبدوا إلا هذه الأسماء التي تصوروها في أذهانهم وعبروا عن معانيها بألسنتهم؛ وهم لم يقصدوا عبادة الصنم إلا لكونه إلهًا عندهم وإلهيته هي في أنفسهم؛ لا في الخارج فما عبدوا في الحقيقة إلا ذلك الخيال الفاسد الذي عبر عنه. ولهذا قال في الآية الأخرى: (وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ) الرعد/٣٣، يقول: سموهم بالأسماء التي يستحقونها هل هي خالقة رازقة محيية مميتة أم هي مخلوقة لا تملك ضرًا ولا نفعًا؟ فإذا سمّوها فوصفوها بما تستحقه من الصفات تبين ضلالهم. قال تعالى (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ) وما لا يعلم أنه موجود فهو باطل لا حقيقة له ولو كان موجودًا لعلمه موجودًا (أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ) أم بقول ظاهر باللسان لا حقيقة له في القلب؛ بل هو كذب وبهتان.
وأما قولهم: إن الاسم يراد به التسمية، وهو القول: فهذا الذي جعلوه هم تسمية هو الاسم عند الناس جميعهم والتسمية جعله اسمًا والإخبار بأنه اسم ونحو ذلك وقد سلموا أن لفظ الاسم أكثر ما يراد به ذلك وادّعوا أن لفظ الاسم الذي هو (ألف سين ميم) : هو في الأصل ذات الشيء ولكن التسمية سميت اسمًا لدلالتها على ذات الشيء: تسمية للدال باسم المدلول ومثّلوه بلفظ القدرة؛ وليس الأمر كذلك؛ بل التسمية مصدر سمى يسمي تسمية والتسمية نطق بالاسم وتكلّم به ليست هي الاسم نفسه، وأسماء الأشياء هي الألفاظ الدالة عليها ليست هي أعيان الأشياء. وتسمية المقدور قدرة هو من باب تسمية المفعول باسم المصدر وهذا كثير شائع في اللغة كقولهم