قولهم إن مدلول لفظ اسم (ألف سين ميم) هو المسمّى فإنه لو كان له مدلول مراد لم يكن صلة. ومن قال إنه هو المسمّى وأنه صلة كما قاله ابن عطية؛ فقد تناقض فإن الذي يقول هو صلة لا يجعل له معنى؛ كما يقوله من يقول ذلك في الحروف الزائدة التي تجيء للتوكيد كقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ) آل عمران/١٥٩، و (قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ) المؤمنون/٤٠، ونحو ذلك. ومن قال: إنه ليس بصلة بل المراد تسبيح الاسم نفسه فهذا مناقض لقولهم مناقضة ظاهرة.
والتحقيق: أنه ليس بصلة بل أمر الله بتسبيح اسمه كما أمر بذكر اسمه. والمقصود بتسبيحه وذكره هو تسبيح المسمّى وذكره فإن المسبِّح والذاكر إنما يسبح اسمه ويذكر اسمه؛ فيقول: سبحان ربي الأعلى فهو نطق بلفظ ربي الأعلى والمراد هو المسمّى بهذا اللفظ فتسبيح الاسم هو تسبيح المسمّى. ومن جعله تسبيحًا للاسم يقول المعنى أنك لا تسم به غير الله ولا تلحد في أسمائه فهذا مما يستحقه اسم الله لكن هذا تابع للمراد بالآية ليس هو المقصود بها القصد الأول.
وقد ذكر الأقوال الثلاثة غير واحد من المفسرين كالبغوي قال: قوله (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) الأعلى/١؛ أي قل سبحان ربي الأعلى. وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة وذكر حديث ابن عباس أن النبي< قرأ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) الأعلى/١. فقال: سبحان ربي الأعلى. قلت: في ذلك حديث عقبة بن عامر عن النبي< أنه لما نزل (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) الواقعة/٧٤، قال اجعلوها في ركوعكم ولما نزل (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) الأعلى/١ قال: اجعلوها في سجودكم (١).
والمراد بذلك أن يقولوا في الركوع سبحان ربي العظيم وفي السجود سبحان ربي الأعلى كما ثبت في الصحيح (٢) عن حذيفة عن النبي< أنه "قام بالبقرة والنساء وآل
(٢) رواه مسلم (١٨٥٠) ولفظه: عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ. ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّى بِهَا فِى رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ «سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ». فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ «سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى». فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ.