فتبيّن أن هؤلاء الذين قالوا: الاسم هو المسمّى إنما يسلم لهم أن أسماء الأشياء إذا ذكرت في الكلام أريد به المسمّى وهذا مما لا ينازع فيه أحد من العقلاء؛ لا أن لفظ اسم. (ألف سين ميم) يراد به الشخص.
وما ذكروه من قول لبيد:
إلى الحَوْلِ ثمَّ اسْم السَّلام عَلَيْكُمَا... وَمَنْ يَبْك حَوْلًا كَاملًا فَقَدْ اعْتَذَر
فمراده ثم النطق بهذا الاسم وذكره وهو التسليم المقصود؛ كأنه قال ثم سلام عليكم ليس مراده أن السلام يحصل عليهما بدون أن ينطق به ويذكر اسمه. فإن نفس السلام قول فإن لم ينطق به ناطق ويذكره لم يحصل.
وقد احتج بعضهم بقول سيبويه إن الفعل أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبني لما مضى ولما لم يكن بعد وهذا لا حجة فيه؛ لأن سيبويه مقصوده بذكر الاسم والفعل ونحو ذلك الألفاظ. وهذا اصطلاح النحويين سمّوا الألفاظ بأسماء معانيها؛ فسمّوا قام ويقوم وقم فعلًا؛ والفعل هو نفس الحركة؛ فسمّوا اللفظ الدال عليها باسمها. وكذلك إذا قالوا: اسم معرب ومبني فمقصودهم اللفظ ليس مقصودهم المسمّى وإذا قالوا هذا الاسم فاعل فمرادهم أنه فاعل في اللفظ؛ أي أسند إليه الفعل ولم يرد سيبويه بلفظ الأسماء المسمّيات كما زعموا؛ ولو أراد ذلك فسدت صناعته.
فصل: وأما الذين قالوا: إن الاسم غير المسمّى فهم إذا أرادوا أن الأسماء التي هي أقوال ليست نفسها هي المسمّيات فهذا أيضًا لا ينازع فيه أحد من العقلاء. وأرباب القول الأول لا ينازعون في هذا؛ بل عبّروا عن الأسماء هنا بالتسميات وهم أيضًا لا يمكنهم النزاع في أن الأسماء المذكورة في الكلام مثل قوله يا آدم! يا نوح! يا إبراهيم! إنما أريد بها نداء المسمين بهذه الأسماء. وإذا قيل: خلق الله السموات والأرض فالمراد خلق المسمى بهذه الألفاظ؛ لم يقصد أنه خلق لفظ السماء ولفظ الأرض والناس لا يفهمون من ذلك إلا المعنى المراد به ولا يخطر بقلب أحد إرادة الألفاظ؛ لما قد استقر في نفوسهم من أن هذه الألفاظ والأسماء يراد بها المعاني والمسمّيات؛ فإذا تكلم