بها فهذا هو المراد؛ لكن لا يعلم أنه المراد إن لم ينطق بالألفاظ والأسماء المبينة للمراد الدالة عليه. وهذا من البيان الذي أنعم الله به على بني آدم في قوله (خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) الرحمن/٣-٤ وقد علَّم آدم الأسماء كلها سبحانه وتعالى.
ولكن هؤلاء الذين أطلقوا من الجهمية والمعتزلة أن الاسم غير المسمّى مقصودهم أن أسماء الله غيره؛ وما كان غيره فهو مخلوق.
ولهذا قالت الطائفة الثالثة: لا نقول هي المسمّى ولا غير المسمّى. فيقال لهم: قولكم إن أسماءه غيره مثل قولكم إن كلامه غيره وإن إرادته غيره ونحو ذلك وهذا قول الجهمية نفاة الصفات وقد عرفت شبههم وفسادها في غير هذا الموضع وهم متناقضون من وجوه كما قد بسط في مواضع.
فإنهم يقولون: لا نثبت قديمًا غير الله؛ أو قديمًا ليس هو الله حتى كفروا أهل الإثبات وإن كانوا متأولين كما قال أبو الهذيل: إن كل متأول كان تأويله تشبيهًا له بخلقه وتجويزًا له في فعله وتكذيبًا لخبره فهو كافر؛ وكل من أثبت شيئًا قديمًا لا يقال له الله فهو كافر ومقصوده تكفير مثبتة الصفات والقدر ومن يقول إن أهل القبلة يخرجون من النار ولا يخلدون فيها. فمما يقال لهؤلاء: إن هذا القول ينعكس عليكم فأنتم أولى بالتشبيه والتجويز والتكذيب؛ وإثبات قديم لا يقال له الله فإنكم تشبهونه بالجمادات، بل بالمعدومات، بل بالممتنعات وتقولون إنه يحبط الحسنات العظيمة بالذنب الواحد؛ ويخلد عليه في النار وتكذبون بما أخبر به من مغفرته ورحمته وإخراجه أهل الكبائر من النار بالشفاعة وغيرها وإنه من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره.
وأنتم تثبتون قديمًا لا يقال له الله فإنكم تثبتون ذاتًا مجردة عن الصفات ومعلوم أنه ما ليس بحي ولا عليم ولا قدير؛ فليس هو الله فمن أثبت ذاتًا مجردة فقد أثبت قديمًا ليس هو الله وإن قال أنا أقول إنه لم يزل حيًا عليمًا قديرًا فهو قول مثبتة الصفات؛ فنفس كونه حيًّا ليس هو كونه عالمًاونفس كونه عالمًا ليس هو كونه قادرًا ونفس ذلك ليس هو كونه ذاتًا متصفة بهذه الصفات فهذه معان متميزة في العقل ليس هذا هو هذا.