الله تعالى قد جعل في طباع جميع الأمم استقباح جميع صور الشياطين واستسماجه وكراهيته وقد أجرى على ألسنة جميعهم ضرب المثل في ذلك رجع بالإيحاش والتنفير وبالإخافة والتقريع إلى ما قد جعله الله في طباع الأولين والآخرين وعند جميع الأمم على خلاف طبائع جميع الأمم وهذا التأويل أشبه من قول من زعم من المفسرين أن رؤوس الشياطين نبات ينبت باليمن».
وتعرض الجاحظ لهذا التشبيه مرة أخرى فقال: «فزعم ناس أن رؤوس الشياطين ثمر شجرة تكون ببلاد اليمن لها منظر كريه والمتكلمون لا يعرفون هذا التفسير وقالوا: ما عنى إلا رؤوس الشياطين المعروفين بهذا الاسم من فسقة الجن ومردتهم فقال أهل الطعن والخلاف: لس يجوز أن يضرب المثل بشيء لم نره فنتوهمه ولا وصفت لنا صورته في كتاب ناطق أو خبر صادق، ومخرج الكلام يدل على أن التخويف بتلك الصورة والتفزيع منها، وعلى أنه لو كان شيء أبلغ في الزجر من ذلك لذكره فكيف يكون الشأن كذلك والناس لا يفزعون إلا من شيء هائل شنيع قد عاينوه أو صوّره لهم واصف صدوق اللسان بليغ في الوصف ونحن لم نعافيها ولا صوّرها لنا صادق، وعلى أن أكثر الناس من هذه الأمم التي لم تعايش أهل الكتابين وحملة القرآن من المسلمين، ولم تسمع الاختلاف لا يتوهمون ذلك، ولا يقفون عليه، ولا يفزعون منه فكيف يكون ذلك وعيدا عاما؟ قلنا: وإن كنا نحن لم نر شيطانا قط ولا صور رؤوسها لنا صادق بيده ففي إجماعهم على ضرب المثل بقبح الشيطان حتى صاروا يضعون ذلك في مكانين أحدهما أن يقولوا: لهو أقبح من الشيطان، والوجه الآخر أن يسمى الجميل شيطانا على جهة التطيّر له كما تسمى