الفرس الكريمة شوهاء، والمرأة الجميلة صمّاء وقرناء وخنساء وجرباء وأشباه ذلك على جهة التطيّر له، ففي إجماع المسلمين والعرب وكل من لقيناه على ضرب المثل بقبح الشيطان دليل على أنه في الحقيقة أقبح من كل قبيح».
لقد فصل الجاحظ في المقال وجوه التشبيه وتصرف الأسلوب القرآني في المشبه به ووجه الشبه ينتزعه من غير مدرك بالحس اعتمادا على ثبوته في الإدراك عن طريق العادة والعرف وتناقل الناس له، وقد أجاز الجاحظ مثل هذا التشبيه وبين وجهته وناقش آراء غيره في التشبيه في ضرورة الاعتماد على الحس البصري لتصوير المعنى في الذهن، ومنذ ذلك العهد أو قبله بقليل اهتم الناس بهذين النوعين من التشبيه وتابعوهما في القرآن وفي البيان عامة ودارت بحوث البلاغة حول هذه النقطة وتفرعت من هذين النوعين أنواع أخرى، وهكذا كان لهذه الآبة ومثلها أثر في تنبيه الناس إلى التشبيه، فبحثه فيها أبو عبيدة وجدّد الجاحظ البحث وتوسّع فيه وظلت الآية على رأس الشواهد في التشبيه المعنوي في كتب النقد والبلاغة بعدهما.
ورفض الجاحظ تفسير اللغويين الحسي، وهو يتفق ووجهة نظر أهل الظاهر في التفسير ويعارض وجهة أهل النظر من المتكلمين والمعتزلة أيضا وقد فسر أولئك رؤوس الشياطين برؤوس نبات ينبت باليمن أو شجر كريه المنظر أو حيات قبيحة الشكل وكلها مدلولات مادية لكلمة شيطان قد يكون لها أصل من الواقع وقد تكون من ابتكار هؤلاء، وهي على الحالين لا تبلغ في أثرها في النفس مبلغ صورة الشيطان التي تثب الى الخيال وتجمع كل سمات الفزع والقبح وإن تكن غير واضحة وضوح النبات والشجر والحيات وهذا الغموض يضفي عليها مزيدا من التخويف.