لهذا كان تفسير الجاحظ أكثر إدراكا لمرمى التعبير القرآني في النفوس وهو إدراك له قيمته من الوجهة النقدية ذلك هو أثر الأدب في النفس وهي لفتات جاءت عابرة في كتب الأقدمين وأولاها النقد الحديث عنايته، وهو يذكر أمثلة من التشبيه بالحيوان في القرآن وذلك لغلبة صفة ما في كل نوع منها أراد السياق إبرازها فيضرب الله مثلا بالعنكبوت في وهن البيت وضعفه والحمار في الجهل والغفلة وفي قلة المعرفة وغلظ الطبيعة والقرد في القبح والتشويه ونذاله النفس.
ولعل هذه الآية أو قل هذا التشبيه هو الذي حدا بأبي عبيدة الى تأليف كتابه «مجاز القرآن» الذي لم نطلع عليه ولكن ذكره ابن النديم صاحب «الفهرس» والخطيب صاحب «تاريخ بغداد» وابن الأنباري في «نزهة الألباء» وياقوت في «إرشاد الأريب» وابن خلكان في «الوفيات» والسيوطي في «بغية الوعاة» ويذكر ياقوت أن أبا عبيدة ألف كتاب «المجاز» عام ثمانية وثمانين ومائة من هجرة النبي ﷺ يذكر على لسان أبي عبيدة:
«أرسل إليّ الفضل بن الربيع في الخروج إليه سنة ثمان وثمانين ومائة فقدمت الى بغداد واستأذنت عليه فأذن لي وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه وفي صدره فرش عالية لا يرتقى إليها إلا على كرسي ثم دخل علي رجل في زي الكتاب له هيئة فأجلسه الى جانبي وقال له: أتعرف هذا قال: لا، قال هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة، أقدمناه لنستفيد من علمه فدعا له الرجل وقرّظه لفعله هذا وقال: إني كنت مشتاقا إليك وقد سألت عن مسألة أفتأذن لي أن أعرفك إياها؟ فقلت:
هات، قال: قال الله عز وجل: «طلعها كأنه رؤوس الشياطين»
وانما يقع الوعد والإيعاد بما عرف مثله وهذا مما لم يعرف، فقلت: إنما


الصفحة التالية
Icon