كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم أما سمعت قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وهم لم يروا الغول قط ولكنهم لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به. فاستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل وعزمت في ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن في مثل هذا وأشباهه وما يحتاج إليه من علمه فلما رجعت الى البصرة عملت كتابي الذي سميته «المجاز».
وعبارة السمين بهذا الصدد: «قوله: كأنه رؤوس الشياطين، فيه وجهان أحدهما أنه حقيقة وأن رأس الشياطين شجر بعينه بناحية تسمى الاستن وهو شجر مرّ منكر الصورة سمته العرب بذلك تشبيها برؤوس الشياطين في القبح ثم صار أصلا يشبه به وقيل الشياطين: صنف من الحيات، وقيل: هو شجر يقال له الصرم فعلى هذا قد خوطب العرب بما تعرفه وهذه الشجرة موجودة فالكلام حقيقي والثاني أنه من باب التمثيل والتخيل وذلك أن كل ما يستنكر ويستقبح في الطباع والصورة يشبه بما يتخيله الوهم وإن لم يره، والشياطين وإن كانوا موجودين لكنهم غير مرئبين للعرب إلا أنه خاطبهم بما ألفوه من الاستعارات».
أما الزمخشري فقد جمع بين الأقوال كلها ولكنه قدم ما هو أولى فقال بأسلوبه الممتع: «والطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجر الزقوم من حملها إما استعارة لفظية أو معنوية وشبه برؤوس الشياطين دلالة على تناهيه في الكراهة وقبح المنظر لأن الشيطان مكروه مستقبح في طباع الناس لاعتقادهم أنه شر محض لا يخلطه خير فيقولون في


الصفحة التالية
Icon