وفي شريعتنا لذلك شواهد، فهو أمر مقبول فيها.. فذلك الأعرابي الذي قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلَّم، قد أرسل [ أي : أطلق ] ناقته، ثم دخل على رسول الله عليه السلام، وحين سأله عنها الرسول عليه السلام.. قال الأعرابي :
أرسلتها وتوكلت على الله.!!
فقال له - عليه السلام - :﴿ إعْقِلْها وتوكّل ﴾.
وقد تأيّد أنّ للمرء أن يأتي بالسبب المقدور، دون أن يُلام على عدم حصول النتائج، وذلك في الآية التالية التي تقول :
﴿ ولمَّا دخلوا من حيثُ أمرهم أبوهم ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلاّ حاجةً في نفس يعقوب قضاها... ﴾ يوسف/٦٨.
فالسبب هنا إراديٌّ، وداخل في مقدور الإنسان، وقد يكون في بعض الأحيان حُكماً تكليفيّاً، حين يوُصَفُ :
بالوجوب، أو الندب، أو الكراهة، أو التحريم.
لكنْ كلُّ هذا لا يخرجُ نتيجتهُ عن كونِهاُ جعليَّةٌ، تترتب عليها نتائجها بأمر الشارع الحكيم، رضيَ المكلفُ أم لم يَرْضَ، مادام قد باشر السبب. وفي هذه الحالات قد يُؤاخذُ المرء على السبب، وعلى نتيجته، وإن كانت الأخيرة جعليَّةً، فإنَّ المُسَبَّب يُنزل منزلة السَبَبْ، ولما كان السبب داخلاً في مقدوره، فإنَّه يُحاسب حينئذٍ على نتائجه من هذه الجهة، وإن كانت تلك النتائج جعليَّةً لا دخل لإرادة المكلف في حصولها.
********
فالقاتل لا يستطيع الاحتجاج بأن إزهاق الروح هو أمر يختص به الله، وبالتالي ليست عليه أيَّة مؤاخذة قانونيَّة !!، فهذه حُجة لا تُجدي نفعاً، إذ أنَّه قد باشر السبب المؤدي إلى إزهاق الروح، الذي لا يقدر عليه أحدٌ إلاَّ الله وحده، لأن السبب المؤدي للموت إراديٌّ فيُحاسب على النتيجة، وإن كان لا يُوصف بأنَّه أوجدها بحال من الأحوال. فافقه هذا ففيه تقرير دقيق.
********


الصفحة التالية
Icon