حمل أفعال الناس على الصحة، أولى من حملها على الفساد ]. وما هذا إلاَّ نوع [ احتيال ] لعدم هدر تصرفاتهم، أو عدم الاعتداد بأفعالهم، ومحاولة تحويلها إلى تصرفاتٍ أخرى ينطبق عليها وصفٌ فقهيٌّ مقبول، وإضافة لِما في هذا الحكم من جانبٍ دعوي، بعدم إحداث شرخٍ بين الناس وشريعتهم، فنحن يهمنا الجانب الذي نحن بصدده، وهو الجانب القانوني، وهو الإحتيال لأجل تصحيح معاملةٍ ما، ولِما ألمعنا إليه موضع آخر غير هذا.
وستأتينا بعض القواعد الفقهيَّة الكليَّة، مما يصبُّ بالمصب الذي نبغي، لكننا نرجيء الكلام فيها إلى كلامنا عن الحيل في القانون، فهي مما أخذه القانون العراقي، واعتُبرت جزءاً منه، وسنشير إلى مصدر تلك القواعد من الفقه الإسلامي.
********
وبعد.. فإنّ هذا العلم :
علمٌ جليلٌ جميل، وهو علمٌ أنيق دقيق، ورشيق رقيق، وهو علم براعةٍ وشجاعة، وهو علم إحاطةٍ بالمسائل، ومعرفةٍ بالدلائل، وتتبع لمقاصد التشريع، وممارسةٍ لفنون التفريع، فهو لا يستقيم لكل أحدٍ بالنظر السريع، بل يحتاج إلى إمعان النظر وإنعامه، وهو من عطاء الله وإنعامه.
وحريٌّ أن يُدرس هذا العلم في كلياَّت الحقوق ويُدرَّس، فيسعد فيه كلُّ ذي فهم ويأنس، فهو مشحذةٌ للذهن، مجلبةٌ للخير لكل فطِن. فهو مما يحتاجه القضاة بخاصَّة، ثم الذين يُعطون الفُتيا في القانون بعامَّة، وعل الأخص أعضاء مجلس شورى الدولة، إذ به يستطيعون تطبيق كثيرٍ من القواعد القانونيّة، وهذا ما سنتكلم عنه في مباحثنا الآتية.
المبحث الثالث
محاولة العثور على هذا الفن من الفنون
في ثنايا أحكام القانون
لو تتبعنا أحكام القانون العراقي، لما وجدنا عنواناً فيه للمخارج، أو [ الحيل ]، كما لا نجد لهذا العلم ذكراً لدى القانونيين، بقدر علمي واطِّلاعي، ولكن أيُعدُّ هذا دليلاً على عدم الوجود أصلاً ؟؟.
الجواب : كلا، فإنَّ الحكم بعدم الوجود ينبغي أن يقوم على :