فمثلاً : إنَّ النص على أيِّ عقوبة من العقوبات الحدِّيَّة، فيه إشارةٌ إلى أمور جمَّةٍ، ولو لم يُنصُّ عليها، منها :
ضرورة : اتخاذ القضاة لكي تُثبت بحضرتهم الوقائع التي تُنسب لأي إنسان.
وضرورة : اتخاذ السجلات في المحاكم لتثبيت القرارات.
وضرورة : اتخاذ القاضي لموضعٍ معلوم، يأتيه فيه الخصوم.
وضرورة : اتخاذ حاجب له، حتى لا يتدافع الناس على بابه، أو إشغاله وقت نظره في الخصومات.
وضرورة : تخصيص مصروفاتٍ نثريَّةٍ تحتاجها المحكمة آنيَّاً.
وضرورة : وضع بعض الشُرط على بابه، أو بإمرته، لأجل حمايته من الاعتداء وسوء الأدب، وجلب من يتحتَّم جلْبُه إلى مجلس القضاء... وضرورة... وضرورة... إلخ.
فبمجرد ورود الحكم بإيقاع عقوبة ما، فإنَّ المجتهد يستطيع أن يحكم بكلِّ ما ذكرنا باجتهاده، ولو لم يرد ذكر ذلك كلِّه في النص، وهذا فضلاً عن الحكم الذي سيق النص لأجله أصلاً، كعقوبة قطع اليد مثلاً، أو رجم الزاني.
********
وتأسيساً على ما ذُكر، فإنَّ هذه الجعليَّة التي نحن بصددها، وإن لم ينص عليها الشارع الحكيم، إلاَّ أنها تستفاد من إشارة النص، على المنوال المتقدم.
وكمثال لهذه الجعليَّة التي استفدناها من إشارة النص :
[ التوكُّل ]... فالتوكُّل فيه أمرٌ من الأمور ذات النتائج الجعليَّة... فنرى أنّ [ يعقوب ]، عليه وعلى نبينا السلام، قد أخّر التوكُّل إلى ما بعد اتخاذ الأسباب، فبدونها يكون تواكلاً لا توكُّلاً.. في قوله :
﴿ يا بنيَّ لا تدخلوا من باب واحدٍ وادخلوا من أبوابٍ متفرقة... ﴾
ثم أشار لهم إلى [ جعليَّة ] النتائج ولو مع اتخاذ الأسباب بقوله :
﴿... وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلاَّ لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ﴾
********


الصفحة التالية
Icon