فى تعرف أسرار الفطرة، والاهتداء الى سنن الله فى الكون، وتبينت كيف أن هذه الطريقة تضمن الوصول الى الحق فى القريب أو البعيد، إن استعانت على ذلك بفرض الفروض. ص _٠١٤
لكن لا خوف قط على الحقيقة من هذه الفروض مادام العلم يطبق فروضه على الواقع، ويمحصها بالتجربة والاختبار. فهذه الطريقة فى الواقع هى طريقة العلم فى الاجتهاد، وبينها وبين طريقة اجتهاد المجتهدين فى الدين وجه شبه مهم هو: أن رجال العلم يستوحون الحقيقة من صنع الله، ورجال الدين يستوحون الحقيقة من كلام الله وحديث رسوله. فكل فى الحقيقة مرجعه الى الله، وإن لم يصل رجال العلم بعد الى الله. وكل فى حكم الدين نفسه مرجعه الى الله، إذ أن هذه الحقائق الطبيعية التى يكشف عها العلم ببحوثه إن هى إلا نوع من كلمات الله، أوهى كلمات الله الواقعة النافذة، كما أن آيات القرآن هى كلمات الله الصادقة المنزلة. ولقد سفى القرآن حقائق أسرار الخلق كلمات لثه فى مثل قوله تعالى: " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم". " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا". وكلمات الله فى هاتين الآيتين الكريمتين لا يمكن أن تكون كلماته المنزلة على رسله، لأن كلماته سبحانه فى كتبه المنزلة محصورة محدودة. فى حين أن كلماته المشار إليها فى هاتين الآيتين لا حصر لها ولانهاية. فلابد أن تكون هى كلماته النافذة فى خلقه، والتى يبدو أثرها متجسما فيما يشاهد من الحوادث، وفيما يكشف العلم من أسرار الكون. فالإسلام متسع للعلم كله: حقائقه وفروضه، والمجتهد مثاب أخطأ أم أصاب، مادام يريد وجه الحق، وإن كان العلم لا يعرف إلى الآن: أن سبيل الحق من سبيل الله. وهذا الكلام يحتاج إلى أمثلة تشرح غوامضه وتكشف خوافيه. ما مظهر الوفاق بين آيات القرآن وأسرار الكون التى أطلعنا العلم عليها فى هذا