الاعجاز البيانى.. وهذا التفرد ! ! إننى واحد من الألوف التى قرأت هذا القرآن، ومررت بمعانيه وغاياته مرور العابر حيناً، ومرور المتفرس المتأمل حيناً آخر. والقرآن ليس الكتاب الوحيد الذى طالعته، فقد طالعت مئات الكتب الأخرى على اختلاف موضوعاتها، واقتربت من نفوس أصحابها ومن ألبابهم، وأذنت لهذه الكتب أن تترك آثارها فى فكرى، لأقلبها على مكث، وأنتفع بما أراه نافعاً وألفظ ما أراه باطلا. ومن اليسير علىً وعلى أى قارئ مثلى أن يكوٍن حكماً معيناً على الكتاب الذى تناوله. فقد أخلص من قراءة كتاب ما، ثم أقول: هذا لمؤلف واسع الاطلاع. أو أقول: إن ثقافته غزيرة فى الآداب الأجنبية، أو إنه طائل الثروة فى الأدب العربى القديم، أو إنه ملم بآخر ما وصلت اليه الكشوف العلمية، أو أنه قصير الباع فى إعطاء المعنى حقه، أو إنه مصطبغ بلون يسارى، أو أنه من المعجبين بالفيلسوف الفلاني، أو إن فى نفسه عقده تميل بأسلوبه الى الحدة فى ناحية كذا، أو إنه مرن الفهم والأداء.. الخ. وقلما أعجز من استبانة الخصائص الإنسانية المتبانية فى تآليف الرجال الذين طالعت نتاجهم الذهنى، أو آثارهم الرواة. وكثيرون غيرى يجدون فى أنفسهم هذه القدرة. وقد تلوت القرآن مراراً، ورجعت بصرى فى آياته وسوره، وحاولت أن أجد شبها بين الأثر النفسى والذهنى لما يكتب العلماء والأدباء، وبين الأثر النفسى والذهنى لهذا القرآن، فلم أقع على شىء البتة. وقد أحكم بأن كتابا ما صدر عن مؤلف فى عصر كذا، وأن جنسية هذا المؤلف ومزاجه وأهدافه هى كيت وكيت. أما بعد قراءة القرآن، فأجزم بأن قائل هذا الكلام محيط بالسموات والأرض، مشرف على الأولين والآخرين، خبير بأغوار الضمائر وأسرار النفوس، يتحدث الى الناس تحدث السيد الحقيقى الى عباده الذين خلقهم بقدرته، ورباهم بنعمته، ويتناول الأمم والقرون فى هالة من الجبروت والتعالى، يستحيل أن تلمح فيها شارة لتكلف أو ادعاء. ومع رفعة المصدر الذى