" ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * سأصليه سقر" والواقع أن من الكذب الشائن على الفطرة والبداهة، وعلى العقل والرواية، أن يزعم زاعم بأن القرآن كلام عادى، وأن أديباً راسخ القدم فى البلاغة يستطيع أن يجئ بمثله. وقد تساءل كثيرون عن أسرار هذا التفرد الذى اتصف به القرآن الكريم. ولاشك أن المعاق التى يتضمنها والتى نسج سداها ولحمتها من الحق الخالد أساس لهذا الاعجاز، بيد أن المعنى على جلاله إن لحقه قصور في صورته وأثره، نقصت قيمته، وطاشت دلالته. وهناك معان جميلة في نفوس أصحابها، ولو استبانت على السطور لأشرقت بها الصحائف.. ولكنها مشاعر فى النفوس فحسب. إن الكلام لفى الفؤاد وإنما.. جعل اللسان على الفؤاد دليلا. فتصوير المعنى الصادق حتى يبرز فى الحروف كما يبرز الجمال الإنساني فى أبهى حلله، وحتى ينتقل سناه الى الأفئدة نفاذاً أخاذاً ركن ركين فى خدمة الحقيقة، وبسط سلطانها، وإزاحة العوائق من أمامها. وقد تعرض لفيف من علماء الإسلام لشرح الإعجاز البياني فى القرآن الكريم. وكنت أنا نفسى كثير الطواف حول هذا الجمال البياني، أسرح فيه الطرف وأردد فيه الفكر، لكنى كنت كالذى شغله الإعجاب بالجمال، عن وضع تفاسير له، أو لعلنى حاولت ثم غلبنى القصور، فتوقفت مؤقتا حتى تسنح فرصة. إلى أن قرأت للمرحوم العلامة "الشيخ محمد عبد الله دراز" كتابه " النبأ العظيم- نظرات جديدة فى القرآن " فرأيت الرجل وفي هذا المجال حقه، و أفاض فى الحديث، كأنما يتدفق من ينبوع لا يغيض أبداً. وودت لو أن الرجل بقى حتى أكمل ما بدأ، بيد أن المنية عاجلته فقفز وهو مجاهد فى سبيل ربه- طيب الله ثراه. شرح الدكتور