لكل من أراد: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"!. وفى النفس الإنسانية قوتان: قوة تفكير، وقوة وجدان، وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة أختها. ص _٠٢٦
فأما إحداهما، فتنقب عن الحق لمعرفته، وعن الخير للعمل به. وأما الأخرى: فتسجل إحساسها بما فى الأشياء من لذة والم. والبيان التام هو الذى يوفى لك هاتين الحاجتين، ويطير الى نفسك بهذين الجناحين "فيؤتيها حظها من الفائدة العقلية، والمتعة الوجدانية معا. فهل رأيت هذا التمام من كلام الناس؟ لقد عرفنا كلام العلماء والحكماء، وعرفنا كلام الأدباء والشعراء، فما وجدنا من هؤلاء وهؤلاء إلا غلواً فى جانب، وقصوراً فى جانب. فأما الحكماء: فإنما يؤدون إليك ثمار عقولهم غذاء لعقلك، ولا تتوجه نفوسهم الى استهواء نفسك، و اختلاب عاطفتك. فتراهم حين يقدمون إليك حقائق العلوم، لا يأبهون لما فيها من جفاف وعرى ونبو عن الطباع. "وأما" الشعراء: فإنما يسعون الى استثارة وجدانك، وتحريك أوتار الشعور من نفسك، فلا يبالون بما صوروه لك أن يكون غياً أو رشداً، وأن يكون حقيقة أو تخيلاً. فتراهم جادين وهم هازلون، يستبكون وإن كانوا لا يبكون، ويطربون إن كانوا لا يطربون. "والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون". وكل امرئ حين يفكر، فإنما هو فيلسوف صغير، فسل علماء النفس: "هل رأيتم أحداً تتكافأ فيه قوة التفكير، وقوة الوجدان، وسائر القوى النفسية على سواء؟ ولو مالت هذه القوى الى شىء من التعادل عند قليل من الناس، هل ترونها تعمل فى النفس دفعة واحدة وبنسبة واحدة؟ ". يجيبونك بلسان واحد: كلا، بل لا تعمل إلا مناوبةً فى حال بعد حال، وكلما تسلط واحدة منهن اضمحلت الأخرى، وكاد ينمحى أثرها. فا لأى ينهمك فى التفكير تتناقص قوة وجدانه، والذى يقع تحت تأثير لذة أو الم، يضعف تفكيره، وهكذا لا تقصد النفس الإنسانية الي جانب من هاتين الغايتين قصداً واحداً، وإلا