الكون، ثم إيماء، إلى مشاهد القيامة، ثم تحذيراً للإنسان من الغفلة، ثم دفعا قويا إلى الطريق السوى لابد فيه من الجمع بين صلاح العقيدة وسلامة الحق وحسن العبادة ودقة المعاملة للناس أجمعين. ص _٠٠٨
"كلا والقمر * والليل إذ أدبر * والصبح إذا أسفر * إنها لإحدى الكبر * نذيرا للبشر * لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر* كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين* *في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين ". إننى أقرأ هذه الآيات فأحس عملها القوى فى أرجاء نفسى، غير أننى لا أدرى سر هذا العمل القوى! الكلمات ومعانيها من جنس ما نعرف، أما آثارها فلسنا نعرف مأتاها، وإن تشبثت بأنفسنا الى أبعد الحدود. والشىء قد يكون فى إحدى حالاته مألوفاً لا يثير انتباها، فإذا أظهر هذا الشىء نفسه في أوضاع أخرى اكتنفته معان شتى ! ألا ترى الزخرفة فى فن الرسم تتكون من "وحدة" معينة؟ لو رأيت صورتها مفردة ما لفتت نظرك، فإذا كررها الرسام بطرق مختلفة برزت معالم الجمال فى أنواع من الزخارف تسحر الألباب. ثم إن إلفك الشىء قد يخفى ما فيه من أسرار، ويصرفك عن اكتشافها. و كثيرا ما تتلو آيات القرآن مثلما تتصفح آلاف الوجوه فى الطريق، ملامح تراها قد تكون دميمة، وقد تكون وسيمة، تمر أشكالها بالعين، فما ثبات على أحدها إلا قليلا و في ذهول. لأن المرء مشغول بشأنه الخاص عن دراسة القدرة العليا فى نسج هذه العيون، وغرس هذه الرؤوس، وصوغ تلك الشفاه، وإحكام ما تنفرج عنه من أسنان، وما تؤدى إليه من أجهزة دوارة لا تقف لحظة. إننا نقرأ القرآن فيحجبنا ابتداء عن رؤية إعجازه. إنه كلام من جنس ما نعرف، وحروف من جنس ما ننطق، فنمضى فى القراءة دون حس كامل بالحقيقة الكبيرة. إلا أن طبيعة هذا القرآن لا تلبث أن تقهر


الصفحة التالية
Icon