وكانت حصيلتنا من هذه الدراسات حسنة، أو هى على الأقل مهاد يستطيع- طالب المزيد أن يبنى عليه. ثم عرفت أن لجنة تعديل المناهج فى الجامع الأزهر طوحت بنصف هذه الدراسات، وردت أكثر الباقى الى مرحلة التعليم الابتدائى. وحجتها فسح المجال لعلوم اللغة والشريعة. وهذا عمل طائش، والحجة فيه داحضة، فإن العلوم الكونية من صميم المعارف الإسلامية، بل هى أولى بالله وبدينه من أكثر العلوم المنسوبة الى الإسلام الآن. والحقيقة أن هذا التصرف عودة الى المعصية التى ارتكبها المفكرون الإسلاميون عندما ذهلوا عن البحث فى المادة، وانشغلوا بالبحث فيما وراءها، فرجعوا بعد عدة قرون من هذا الشطط وأيديهم صفر. فلا هم الذين فهموا المادة وانتفعوا بعلومها المتاحة. ولا هم الذين اخترقوا أسوار الغيوب، وعرفوا كنه ما وراء الطبيعة. بل ليت أيديهم!م عادت صفرا، لقد عادت وملؤها الوهم من فلسفات النظر الفاشل، والتفكير المريض. إن كل توهين للدراسات المادية هو"مشاقة واضحة لآيات النظر والتدبر الواردة فى القرآن الكريم- وما أكثرها-. وما نغالى إذا قلنا: إنها حكم بالإعدام على هذه الآيات، ثم إقامة مجتمع ساذج، أو مستغفل أو بليد بين أرض وسماء حافلتين بالنور والقوة. إن الله الذى خلق العقل نوه به وأشاد بقيمته. وإن الله الذى أنزل الإسلام، وأتم به النعمة، جعل ملاك فقهه وقيام أمره على ذلك العقل. وإن الله الذى أبدع هذا العالم لم يلق مفاتيح ابداعه للبله والحمقى، وإنما ألقاها للعالمين الأذكياء. ولم يتح تسخيرها للمفرطين العاجزين، وإنما أتاحها لأولى العزم الأقوياء...! والتطابق بين الكون الممهد، وبين العقل الواعى كالتطابق بين الحق، وغطائه.. فإذا لم يستفق العقل ويؤدى رسالته، انفصمت العلائق بينه وبين هذا ص _٠١٣