وإنما خصّ يوم الدين - وهو يوم الجزاء - بالملكية ؛ لأن ذلك اليوم يظهرُ فيه المُلْكُ لله عيَاناً لجميع الخلق، فإن الله تعالى يتجلّى لفصل عباده، حتى يراه المؤمنون عياناً، بخلاف الدنيا فإن تصرفه تعالى لا يفهمه إلا الكَمَلَةُ من المؤمنين، ولذلك ادَّعى كثير من الجهلة الملكَ ونسبوه لأنفسهم. ويوم القيامة ينفرد الملك لله عند الخاص والعام، قال تعالى :﴿لِّمَنِ الْمَلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْقَهَّارِ﴾ [غَافر : ١٦].
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٤
الإشارة﴾
لما تلجَّى الحق سبحانه من عالَم الجبروت إلى عالم الملكوت، أو تقول : من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، حمد نفسه بنفسه، ومجَّد نفسه بنفسه، ووحَّد نفسه بنفسه، ولله دَرُّ الهَرَوِيّ، حيث قال :
٣١
ما وَحَّدَ الواحِدَ مِنْ واحِدِ
إذ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ
توحيدُ مَنْ ينطقُ عن نَعْتِهِ
عاريةُ أَبْطَلَهَا الواحِدُ
توحيدُه إياه توحيدُه
ونعتُ من يَنْعَتُه لاَحِدُ
فقال في توحيد نفسه بنفسه مترجماً عن نفسه بنفسه :﴿الحمد لله رب العالمين﴾، فكأنه يقول في عنوان كتابه وسر خطابه : أنا الحامد والمحمود، وأنا القائم بكل موجود، أنا رب الأرباب، وأنا مسبب الأسباب لمن فهم الخطاب، أنا رب العالمين، أنا قيوم السموات والأرَضين، بل أنا المتوحِّدُ في وجودي، والمتجلِّي لعبادي بكرمي وجودي، فالعوالم كلها ثابتة بإثباتي، مَمْحُوَّةٌ بأحدية ذاتي.


الصفحة التالية
Icon