والعبادة : أقصى غاية الخضوع والتذلل، ومنه طريق مُعَبَّدٌ، أي : مُذَلل، والاستعانة، طلب المعونة، والمراد طلب المعونة في المُهمات كُلِّها، أو في أداء العبادات.
والضمير المستتر في الفعلين للقارئ ومن معه من الحفظة وحاضري صلاة الجماعة، أو له ولسائر الموجودين. أدْرَجَ عبادته في تضاعيف عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم لعلها تُقبل ببركتها ويُجاب إليها، ولهذا شرعت الجماعة. قاله البيضاوي.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣
يقول الحقّ جلّ جلاله، تتميماً لتعليم عباده : فإذا أثنيتمُ عليَّ ومجدتموني وعظمتموني فأقِرُّوا لي بالربوبية، وأظهروا من أنفسكم العبودية، واطلبوا مني العون في كل وقت وقولوا :﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾، وكأنه - جلّ جلاله - لَمّا ذكر أنه مستحق للمحامد كلها قديمها وحديثها ؛ لأنه رب العوالِم وقيومها، أصل الأصول وفروعها، أنعم عليها أولاً بالإيجاد، وثانياً بتوالي الإمداد، فهو مالكها على الإطلاق، ذكر أنه لا يستحق أن يُعبد سواه ؛ إذ لا مُنعمَ على الحقيقة إلا الله، فهو أحقُّ أن يُعبد، وأولى أن يفرد بالوجهة والقصد، لأنه مُسْتَبِدٌ وغير مُسْتَمدّ، والمادة من عَيْنِ الجود، فإذا انقطعت المادة انعدم الوجود. قال البيضاوي : ثم إنه لما ذكر الحقيق بالحمد، ووصف بصفات عظام تميَّز بها عن سائر الذوات، تعلَّق العلمُ بمعلوم معين، خوطب بذلك، أي : يا من هذا شأنه نخصُّك بالعبادة والاستعانة، لكون أدلّ على الاختصاص، وللترقي من الغَيْبة إلى الشهود، وكأن المعلومَ صار عياناً، والمعقولَ مُشاهَداً، والغيبة حضوراً، بَنَى أول الكلام على ما هو
٣٤