والمفهوم من قوله :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفَاتِحَة : ٥]، ولذلك وصلَه به، فكأن الحق - سبحانه - يقول :" يا عبادي احمدوني ومجدوني وأفردوني بالقصد وخُصُّوني بالعبادة، وكونوا في ظاهركم مشتغلين بعبادتي، وفي باطنكم مستعينين بحولي وقوتي، أو كونوا في ظاهركم متأدبين بخدمتي، وفي باطنكم مشاهدين لقدرتي وعظمة ربوبيتي ". وقال سيّدنا عليّ - كَرَّمَ الله وجهه - :(الصراط المستقيم هنا القرآن). وقال جابر رضي الله عنه :(هو الإسلام) يعني الحنيفية السمحاء وقال سهل بن عبد الله :(هو طريق محمد صلى الله عليه وسلم). يعني اتباعَ ما جاء به. وحاصله ما تقدم من إصلاح الظاهر بالشريعة والباطن بالحقيقة، فهذا هو الطريق المستقيم الذي من سلطه كان من الواصلين المقربين مع النبيين والصدِّيقين.
فإن قلت : إذا كان العبدُ ذاهباً على هذا المنهاج المستقيم، فكيف يطلب ما هو حاصل ؟ فالجواب : أنه طلب التثبيت على ما هو حاصل، والإرشاد إلى ما هو ليس بحاصل، فأهل مقام الإسلام يطلبون
٣٩
الثبات على الإسلام، الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإيمان الذي ليس بحاصل، على طريق الصوفية، الذين يخصون العمل الظاهر بمقام الإسلام، والعمل الباطن بمقام الإيمان، وأهلُ الإيمان يطلبون الثبات على الإيمان الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإحسان الذي ليس بحاصل، وأهل مقام الإحسان يطلبون الثبات على الإحسان، والترقي إلى ما لا نهاية له من كشوفات العرفان ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَليمٌ﴾ [يُوسُف : ٧٦].
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧


الصفحة التالية
Icon