الثاني : نَصْبُ الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد، وإليه الإشارة بقوله :﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البَلَد : ١٠]، وقال :﴿فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فُصّلَت : ١٧].
الثالث : الهدايةُ بإرسال الرسل وإنزال الكُتُب، وإياها عني بقوله :﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبيَاء : ٧٣]، وقوله :﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ﴾ [الإسرَاء : ٩].
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧
الرابع : أن يكشف عن قلوبهم السرائر ويُرِيَهُمْ الأشياءَ كما هي بالوحي والإلهام والمنامات الصادقة. وهذا يختص بِنَيْله الأنبياءُ والأولياءُ، وإياه عني بقوله :﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام : ٩٠]، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العَنكبوت : ٦٩].
فالمطلوب : إما زيادةُ ما مُنحوه من الهدى والثباتُ عليه، أو حصولُ المراتب المترتبة عليه، فإذا قال العارفُ الواصل عَنَى بقوله : أرشدنا طريق السير فيك، لتمحُوَ عنا ظلماتِ أحوالنا، وتُمِيطَ غواشِيَ أبداننا، لنستضيء بنور قدسك فنراكَ بنورك. هـ.
قلت : قوله الرابع... الخ، في عبارته قَلَقٌ واختصار، والصواب أن يقول : الرابعُ - أن يكشف عن قلوبهم الظُّلَمَ والأغيار، ويُشرق عليها الأنوار والأسرار، ويُريهم الأشياء كما هي بالوحي والإلهام، وباستعمال الفكرة في عظمةِ الملك العلاَّم، حتى تستولي أنوارُ المعاني على حِسِّ الأواني، ثم يقول : وهذا قسم يختصّ بنيله الأنبياء والأولياء.
وقوله : فإذا قال العارف... الخ، الصواب أن يقول : فإذا قاله المريد السائر ؛ لأن الواصل انمحت عنه الظلماتُ كلها والغواشي وسائرُ الأكدار ؛ لأن الله تعالى غطَّى وصفه بوصفه ونعته بنعته، فلم يَبْقَ له وصفٌ ظُلماني. وأيضاً قوله :[أرشدنا إلى طريق السير] إنما يناسب السائر دون الواصل ؛ لأن الواصل ما بَقِيَ له إلا الترقي، ولا يُسمى في اصطلاح الصوفية [السير] إلا قبلَ الوصول. والله تعالى أعلم.
٤١
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧


الصفحة التالية
Icon