قلت :﴿قائماً﴾ : حال مِن ﴿الله﴾، وإنما جاز من بعض المعطوفات لعدم اللبس، كقوله :﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً...﴾ [الأنبيَاء : ٧٢]، ولا يجوز : جاء زيد وعمر راكباً ؛ لعدم القرينة، أو مِن ﴿هو﴾، والعامل الجملة ؛ لأنه حال مؤكدة، أي : تفرد قائماً، أو حقه قائماً، ﴿بالقسط﴾ أي : العدل، و ﴿إن الدين﴾ : جملة مستأنفة مؤكدة للأولى، أي : لا دين مرضى عند الله سوى الإقرار بالشهادة والدخول فيما جاء به محمد ﷺ، ومن قرأ بالفتح فهو بدل من ﴿أنه﴾، بدل الكل، إن فسر الإسلام بالإيمان، وبدل الاشتمال إن فسر بالشريعة.
٢٩٨
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو﴾ أي : بيَّن وحدانيتَه بنصب الدلالئل الدالة عليها وإنزال الآيات الناطقة بها، أو بتدبيره العجيب وصنعته المتقنة وأموره المحكمة، وفي ذلك يقول القائل :
يَا عَجَباً كيف يُعْصَى الإلهُ
أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ ؟ !
وللهِ في كل تحريكةٍ
وتسكينةٍ أبداً شاهدُ
وفي كُلِّ شَيءٍ له آيةٌ
تَدُلُّ على أنَّه واحِدُ
وقيل لبعض العرب : ما الدليل على أن للعالم صانعاً ؟ فقال : البعرة تدل على البعير، وآثار القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلي بهذه الكثافة، أمَا يدلان على الصانع الخبير ؟ !
﴿و﴾ شهدت ﴿الملائكة﴾ أيضاً بالإقرار بالوحدانية والإخبار بها، ﴿وأولوا العلم﴾ وهم : الأنبياء والعلماء بالله، بالإيمان بها والاحتجاج عليها، شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد. وفيه دليل شرف أهل العلم وفضلهم، حيث قرن شهادتهم بشهادته ؛ لأن العلم صفة الله العليا ونعمته العظمى، والعلماء أعلام الإسلام، والسابقون إلى دار السلام، وسُرج الأمكنة وحجج الأزمنة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٨


الصفحة التالية
Icon