﴿... وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾
قلت :﴿بغياً﴾ : مفعول له، علة للاختلاف.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وما اختلف﴾ اليهود والنصارى في حقيقة الإسلام والتدين به، ﴿إلا من بعد ما جاءهم العلم﴾ أي : من بعد ما تمكنوا من العلم بصحته، وأن الدين عند الله هو الإسلام، فجحدوه ظلماً وحسداً. أو ما اختلف أرباب الكتب المتقدمة في دين الإسلام ؛ فأثبته قوم، وقال قوم : إنه مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقاً، إلا من بعد ما ثبت لهم بصحته وعموم الدعوة له. أو في التوحيد ؛ فثلث النصارى، وقالت
٣٠٠
اليهود : عزير ابن الله، بعد ما صح لهم العلم بالتوحيد فغيروا. وقال الربيع : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت، دعا سبعين حبراً من قومه، فاستودعهم التوراة، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت بينهم الفرقة، وهم : الذين أوتوا الكتاب من أبناء السبعين، فأراقوا الدماء ووقع بينهم الشر والاختلاف.
وذلك من بعد ما جاءهم العلم، يعني بيان ما في التوراة، ﴿بغياً بينهم﴾ أي : طلباً للملك والرئاسة والتحاسد، فسلّط عليهم الجبابرة، ﴿ومن يكفر بآيات الله﴾ المنزلة على رسوله، أو الدالة على وحدانيته، ﴿فإن الله سريع الحساب﴾ ؛ لا يشغله شأن عن شأن، وفيه تهديد لأهل الاختلاف.
الإشارة : الاختلاف على الصوفية، والإنكار عليهم، إن كان بغياً وحسداً وخوفاً على زوال رئاسة المنكر، فهذا معرض لمقت الله، فقد آذن بحرب الله، وبالُه سوء الخاتمة، والعياذ بالله، وفي ذلك يقول القائل :
هِمَمُهُمْ تَقْضِي بحُكْ الوَقْتِ
مُنِكِرُهُم مُعَرَّضٌ للمٌقْتِ