وإن كان غيره على الشريعة، وسدّاً لباب الذريعة، فهذا معذور أو مأجور إن صح قصده، وهو منخرط في سلك الضعفاء، قال تعالى :﴿َيْسَ عَلَى الضُّعَفآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِيدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة : ٩١]، ولا ينكر على الفقير إلا المُحرَّم المجمع على تحريمه، وليس فيه تأويل، كالزنى بالمعينة، واللواط وشبهه، والمؤمن يلتمس المعاذر، والمنافق يلتمس العيوب، وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٨
قلت :﴿ومن اتبعن﴾، عطف على فاعل ﴿أسلمت﴾ ؛ الضمير.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿فإن حاجوك﴾ في الدين، وخاصموك فيه، بعدما أقيمت الحجج على صحته، ﴿فقل﴾ لهم : أما أنا فقد ﴿أسلمت وجهي لله﴾، وانقدت بكليتي إليه، وتمسكت بدينه القويم، الذي قامت الحجج على حقيته، وكذلك من تبعني من المؤمنين. وخصّ الوجه بالانقياد ؛ لأنه أشرف الأعضاء ومحل ظهور المحاسن، فإذا انقاد الوجه فقد انقاد الكل.
﴿وقل للذين أوتوا الكتاب﴾ من اليهود والنصارى، ﴿والأميين﴾ الذين لا كتاب لهم من المشركين :﴿أأسلمتم﴾ كما أسلمتُ : لما وضحت لكم من الحجة ؟ أم أنتم على
٣٠١
كفركم بغياً وحسداً ؟ والاستفهام معناه الأمر، كقوله :﴿فَهَلَ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [هُود : ١٤] أي : أسلموا، ﴿فإن أسلموا فقد اهتدوا﴾ وأنقذاو أنفسكم من الهلاك، ﴿وإن تولوا﴾ وأعرضوا ﴿فإنما عليك البلاغ﴾، ولا يضرك عنادهم، فقد بلغت ما أمرت به. ﴿والله بصير بالعباد﴾ لا يخفى عليه من أسلم ممن تولى.
رُوِيَ أنه - عليه الصلاة والسلام - قرأ عليهم هذه الآية، فقال لليهُود :" أتشهدون أن عزيراً عبد الله ورسوله وكلمته ؟ " فقالوا : معاذ الله، وقال للنصارى :" أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله ؟ " فقالوا : معاذ الله أن يكون عيسى عبداً. فنزل قوله تعالى :﴿وإن تولوا فإنما عليك البلاغ﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon