الإشارة : ترى كثيراً ممن ينتسب إلى العلم والدين ينطلق لسانه بدعوى الخصوصية، وأنه منخرط في سلك المقربين، فإذا دُعي إلى حق، أو وقف على عيب من عيوب نفسه، أعرض وتولى، وغرته نفسه، وغلبه الهوى، فجعل يحتج لنفسه بما عنده من العلم أو الدين، أو بمن ينتسب إليهم من الصالحين، فكيف يكون حاله إذا أقبل على الله بقلب سقيم، ورأى منازل أهل الصفا، الذين لقوا الله بقلب سليم، حين ترفع درجاتهم مع المقربين، ويبقى هو مع عوام أهل اليمين ؟ قال تعالى :﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزُّمَر : ٤٧] الآية.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٣
قلت :﴿اللهم﴾ منادى مبني على الضم، حذفت منه الياء المتضمنة للفرق، وعوضت منها الميم المُؤْذِنة بالجمع، لئلا يبقى بين الداعي والمدعو فَرْقٌ، و ﴿مالك﴾ : نعت لمحل المنادي ؛ لأنه مفعول، ومنادى ثانٍ عند سيبويه، لأن الميم عنده تمتع الوصفية.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قل﴾ يا محمد في استنصارك على عدوك :﴿اللهم﴾ يا ﴿مالك الملك﴾ ؛ مُلك الدنيا وملك الآخرة، ﴿تؤتي الملك﴾ والنصر ﴿من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء﴾، فهب لنا ملك الدارين، والنصر على الأعداء في كل أين، وانزع الملك من يد عدونا، وانقله إلينا وإلى من تبعنا إلى يوم الدين. قال قتادة :(ذُكر لنا أن النبيّ صلى الله عيله وسلم سأل ربه أن يجعل مُلك فارس والروم في أمته، فأنزل الله تعالى هذه الآية).
﴿وتعز من تشاء﴾ بالإيمان والطاعة ﴿وتذل من تشاء﴾ بالكفر والمعصية، أو تعز من تشاء بالمعرفة، وتذل من تشاء بالفكرة، أو تعز من تشاء بالقناعة والورع، وتذل من
٣٠٤
تشاء بالحرص والطمع، أو تعز من تشاء بالتوفيق والإذعان، وتذل من تشاء بالكسل والخذلان، ﴿بيدك الخير﴾ كله، فأعطنا من خيرك الجزيل، وأجرنا من الشر الوبيل، فالأمور كلها بيدك.