ثم استدلّ على نفوذ قدرته بقوله :﴿تولج الليل في النهار﴾ أي : تُدخل أحدَهما في الآخر بالتعقيب، أو بالزيادة أو النقص، فيولج الليل في النهار، إذا طال النهار حتى يكون خمس عشرة ساعة، وفي الليل تِسْعٌ، ويُولج النهار في الليل، إذا طال الليل كذلك، وفيه دلالة على أن مَنْ قدر على ذلك قدر على معاقبة العز بالذل، والمُلك بنزعه. ﴿وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي﴾ ؛ كالحيوانات من النُّطَف، وبالعكس، والنباتات من الحبوب، وبالعكس، أو المؤمن من الكافر والعالم من الجاهل، وبالعكس، ﴿وترزق من تشاء﴾ من الأقوات والعلوم والأسرار، ﴿بغير حساب﴾، ولا تقدير ولا حصر. اللهم ارزقنا من ذلك الحظ الأوفر، ﴿إنك على كل شيء قدير﴾.
روى معاذ رضي الله عنه أن النبيّ ﷺ قال له :" يا معاذُ، أتحبُّ أن يقضيَ اللّهُ عنك دَيْنك ؟ " قال : نعم يا رسول الله، قال :" قل " ﴿اللهم مالك الملك﴾ إلى قوله :﴿بغير حساب﴾، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما ما تشاء، وتمنع منهما ما تشاء اقضِ عني ديني، فلو كان عليك ملءُ الأرض ذهباً وفضة لأدَّاه الله عنك ".
٣٠٥
ورُوِيَ عن عليّ رضي الله عنه أنه قال : الفاتحة، وآية الكرسي، و ﴿شهد الله﴾، و ﴿قل اللهم مالك الملك...﴾ إلى ﴿... بغير حساب﴾، لمّا أراد الله أن ينزلهن، تعلقن بالعرش وقلن : تهبطنا إلى دار الذنوب فقال الله عزّ وجلّ :" وعزّتي وجلالي لا يقرؤكن عبد، دبر كل صلاة مكتوبة، إلا أسكنته حظيرة القدس، على ما كان فيه، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة، وقضيت له في كل يوم سبعين حاجة، وأعززته من كل عدو، نصرته عليه... " الحديث. انظر الثعلبي.
الإشارة : من ملك نفسه وهواه فقد ملكه الله ملك الدارين، ومن ملكته نفسه وهواه فقد أذلّه الله في الدراين ومن ملك نفسه لله فقد مكنه الله من التصرف في الكون بأسره، وكان حرّاً حقيقة، وفي ذلك يقول الشاعر :


الصفحة التالية
Icon