دَعَوْنِي لمُلْكِهم، فلمَّا أجبتُهم
قالُوا : دَعَوْنَاك للمُلْك لا للمِلْكِ
ومن أذلَّ نفسه لله فقد أعزّه الله، قال الشاعر :
تَذَلَّلّ لِمَنْ تَهوَى لِتَكْسِبَ عِزَّةً
فَكَمْ عزَّةٍ قَدْ نَالَهَا المَرْء بالذُّلِّ
إذَا كانَ مَنْ تَهْوى عَزِيزاً وَلَم تَكُنْ
ذَلِيلاً لَهُ، فَاقْرِ السَّلامَ عَلَى الْوصْلِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٤
قال ابن المبارك :(قلت لسفيان الثوري : من الناس ؟ قال : الفقهاء، قلت : فمن الملوك ؟ قال : الزهادن قلت : فمن الأشراف ؟ قال : الأتقياء، قلت : فمن الغوغاء ؟ قال : الذين يكتبون الحديث ليستأكلوا به أموال الناس، قلت : أخبرني ما السفلة ؟ قال : الظلمة). وقال الشبلي :(المُلك هو الاستغناء بالمكون عن الكونين). وقال الوراق :(تُعز من تشاء بقهر النفس ومخالفة الهوى، وتذل من تشاء باتباع الهوى). قلت : وفي ذلك يقول البرعي رضي الله عنه :
لا تَتْبَع النَّفْسَ في هَوَاهَا
إنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى هَوَانُ
وقال وهب :" خرج الغِنَى والعز يجولان، فلقيا القناعة فاستقرا ". وقال عيسى عليه السلام لأصحابه : أنتم أغنى من الملوك، قالوا : يا روح الله ؛ كيف، ولسنا نملك شيئاً ؟ قال : أنتم ليس عنكم شيء ولا تريدونها، وهم عندهم أشياء ولا تكفيهم هـ.
قال الشافعي رضي الله عنه :
أَلاَ يا نفسُ إن ترضَيْ بِقُوتٍ
فأنت عزيزةٌ أبداً غنيهْ
دَعِي عنكِ المطامِعَ والأمانِي
فكمْ أُمْنِيَّةٍ جَلبَتْ مَنِيهْ
وقال آخر :
أَفَادتني القناعةُ كلَّ عزٍّ
وهَلْ عِزٍّ أعزُّ مِنْ القَنَاعَهْ
٣٠٦
فَصَيِّرْها لنفسِكَ رأسَ مالٍ
وصَيِّرْ بعدها التَّقْوى بِضَاعَهْ
تَنَل عِزّاً وتَغْنَى عَنْ لَئِيمٍ
وتَرْحَلْ للجِنَان بصبْرِ ساعَهْ