وعند أهل الإشارة يقول الحق جلّ جلاله : ألف : أفْرِدْ سِرَّك إِلّيَّ، انفراد الألف عن سائر الحروف، واللام : لَيِّنْ جوارحك لعبادتي، والميم : أقم معي بمحو رسومك وصفاتك، أزينك بصفاء الأنس والقرب مني. قاله الثعلبي.
قلت : والأظهر أنها حروف تشير للعوالم الثلاثة، فالألف لوحدة الذات في عالم الجبروت، واللام لظهور أسرارها في عالم الملكوت، والميم لسريان أمدادها في عالم الرحموت، والصاد لظهور تصرفها في عالم الملك. وكل حرف من هذه الرموز يدل على ظهور أثر الذات في عالم الشهادة، فالألف يشير إلى سريان الوحدة في مظاهر الأكوان، واللام : يشير إلى فيضان أنوار الملكوت من بحر الجبروت، والميم يشير إلى تصرف الملك في عالم الملك، وكأن الحق تعالى يقول : هذا الكتاب الذي تتلو يا محمد - هو فائض من بحر الجبروت إلى عالم الملكوت، ومن عالم الملكوت إلى الرحموت، ثم نزل به الروح الأمين إلى عالم الملك والشهادة، فلا ينبغي أن يرتاب فيه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥١
﴿ذّلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ...﴾
قلت : الريب : تحرُّك القلب واضطرابه بالشكوك والأوهام، وتقابله الطمأنينة بالسكون إلى الحق على الدوام.
يقول الحقّ جلَ جلاله : يا أيها الرسول المصطفى والنبيّ المجتبى ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ الذي أنزلناه عليه من جبروت قدسنا وملكوت عزِّنا ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أنه من عندنا. فمن ارتاب فيه، أو نسبه إلى غيرنا، فقد استحق البعد من ساحة رحمتنا، وحلّت عليه شدائد نقمتنا، ومن تحقق به أنه من لدنا، وآمن بمن جاء به من عندنا، فقد استحق دخول حضرة قدسنا حتى يسمع منا ويتكلم بنا، فإذا أحببته كنت له، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يتكلم... الحديث. فيكون من الصديقين المقربين مع النبيين والمرسلين، وكان في ذروة درجات المتقين، الذين يهتدون بهدي القرآن المبين، كما أشار إلى ذلك بقوله :
٥٢


الصفحة التالية
Icon