يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إن الله اصطفى آدم﴾ ؛ بالخلافة والرسالة، ﴿ونوحاً﴾ ؛ بالرسالة والنِّذَارة، ﴿وآل إبراهيم﴾ ؛ بالنبوة والرسالة، وهم : إسحاق، ويعقوب والأسباط، وإسماعيل، وولده سيد ولد آدم نبينا محمد ﷺ بالنبوة والرسالة والمحبة الجامعة. ﴿وآل عمران﴾، وهم موسى وهارون - عليهما السلام - وهو عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوى بن يعقوب، أو المراد بعمران : عمران بن أشهم بن أموي، من ولد سليمان عليه السلام، وهو والد مريم أم عيسى عليه السلام، وقيل : المراد عمران بن ماثان، أحد أجداد عمران والد مريم. وإنما خصّ هؤلاء ؛ لأن الأنبياء كلهم من نَسْلهم. وقيل : أراد إبراهيم وعمران أنفسهما. " وآل " مقحمة، كقوله :﴿وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَارُونَ﴾ [البَقَرَة : ٢٤٨] أي : موسى وهارون، فقد فضل الحقّ - جلّ جلاله - هؤلاء الأنبياء بالخصائص الجسمانية والروحانية ﴿على العالمين﴾ أي : كلاً على عَالَمِي زمانه، وبه استدلّ على فضلهم على الملائكة. حال كونهم ﴿ذرية﴾ متشعبة ﴿بعضها من﴾ ولد ﴿بعض﴾ في النسب والدين، ﴿والله سميع﴾ لأقوال العباد وأعمالهم، ﴿عليم﴾ بسرائرهم وعلانيتهم، فيصطفي من صفا قوله وعمله، وخلص سره، للرسالة والنبوة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣١١
ثم تخلًّص لذكر نشأة مريم، توطئة لذكر ولدها، فقال : واذكر ﴿إذ قالت امرأة عمران﴾ وهي حنة بنت فاقوذا، جدة عيسى عليه السلام :﴿ربِّ إني نذرت لك ما في بطني محرراً﴾ لخدمة بيت المقدس، لا أشغله بشيء، أو مخلصاً للعبادة، ﴿فتقبل مني
٣١١
إنك أنت السميع العليم﴾
، وكان المحرر عندهم، إذا حُرر، جُعل في الكنيسة يقوم عليها وينكسها، ولا يبرح منها حتى يبلغ الحلم، ثم يُخَيَّر، فإن أحبَّ أقام أو ذهب حيث شاء، ولم يكن يحرر إلا الغلمان ؛ لأن الجارية لا تصلح للخدمة ؛ لما يصيبها من حيض، فحررت أمُّ مريمَ حمْلَها تَدْرِ ما هو.


الصفحة التالية
Icon