وقصة ذلك : أن زكريا وعمران تزوجا أختين، فتزوج زكريا أشياعَ بنت فاقوذا، وتزوج عمران حنة بنت فاقوذا، فكان عيسى ويحيى ابني الخالة، وكانت حنة عاقراً لا تلد، فبينما هي في ظل شجرة، بصُرت بطائر يطعم فرخاً. فتحركت لذلك نفسها للولد فدعت الله تعالى، وقالت : اللهم لك علي، إن رزقتني ولداً، أن أتصدق به على بيت المقدس، يكون من سدنته وخدمه، فحملت بمريم، فهلك عمران، وحنة حامل بمريم، ﴿فلما وضعتها﴾ أي : النذيرة، أو ما في بطنها، قالت :﴿ربِّ إني وضعتها أنثى﴾، قالت ذلك تحسّراً وتحزناً إلى ربها، لأنها كانت ترجوا أن تلد ذكراً يصلح للخدمة، ولذلك نذرته.
قال تعالى :﴿والله أعلم بما وضعت﴾، تعظيماً لموضوعها وتنويهاً بشأنها، أو من كلامها - على قراءة التكلم - تسلية لنفسها، أي : ولعل لله فيه سرّاً، قال تعالى :﴿وليس الذكر كالأنثى﴾ أي : وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت، أو من كلامها، أي : وليس الذكر والأنثى سيان فما نذرتُ. ثم قالت :﴿وإني سميتها مريم﴾ راجية أن يطابق اسمُها فعلها، فإن مريم في نعتهم في العابدة الخادمة، وكانت مريم أجمل النساء في وقتها وأفضلهن، وفي الحديث عنه ﷺ :" حَسْبُكَ من نساءِ العالمين أربع : مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ﷺ ". ثم قالت حنة أم مريم :﴿وإني أعيذها بك﴾ أي : أحصنها بك ﴿وذريتها من الشيطان الرجيم﴾ أي : المرجوم بالشهب، أو المطرود، وفي الحديث :" مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلاَّ والشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَد فَيَسْتَهِلُّ مِنْ مَسِّهِ، إلاَّ مَرْيَمَ وابْنهَا " ومعناه : أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود، بحيث يتأثر به، إلا مريم وابنها لمكان الاستعاذة، قلت : وكذا الأنبياء كلهم، لا يمسهم لمكان العصمة. والله أعلم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣١١


الصفحة التالية
Icon