فتقبلها ربها} أي : رَضِيَها في النذر مكان الذكَر، ﴿بقبول حسن﴾ أي : بوجه حسن، وهو إقامتها مقام الذكر، وتسلمها للخدمة عقب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسِّدانة، رُوِي : أن حنة لما ولدتها لفَّتْها في خرقة، وحملتها إلى المسجد، ووضعتها عند الأحبار، وقالت : دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها، فأنها كانت ابنة إمامهم، وصاحب قربانهم، فإن (بني ماثان) كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم، فقال زكريا : أنا
٣١٢
أحق بها، عندي خالتها، فأبوا إلا القرعة، وكانوا سبعة وعشرين، فانطلقوا إلى نهر، فألقوا فيه أقلامهم، فطفا قلم زكريا - أي : علا - على وجه الماء، ورسبت أقلامهم، فأخذها زكريا.
﴿وأنبتها﴾ الله ﴿نباتاً حسناً﴾ أي : رباها تربية حسنة، فكانت تشب في اليوم ما يشب المولود في العام، ﴿وكفلها زكريا﴾ أي : ضمها إليه وقام بأمرها. وقرأ عاصم - في رواية ابن عياش - بشدِّ الفاء، أي : وكفَّلها اللّهُ زكريا، أي : جعله كافلاً لها وحاضناً. رُوِيَ : أنه لما ضمها إليه بنى لها بيتاً، واسترضع لها، فلما بلغت، بنى لها محراباً في المسجد، وجعل بابه في وسطه لا يرقى إليها إلا بسلم، ولا يصعد إليها غيره، وكان يأتيها بطعامها وشرابها كل يوم، وكان إذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب. ﴿كلما دخل عليها زكريا المحراب﴾ ؛ ليأتيها بطعامها، ﴿وجد عندها رزقاً﴾ أي : فاكهة في غير حينها، يجد فاكهة الشتاء في الصيف، وبالعكس، ﴿قال يا مريم أنى لك هذا﴾ أي : من أين لك هذا الرزق الآتي في غير أوانه، والأبواب مغلقة عليك ؟ ﴿قالت هو من عند الله﴾ فلا يُستبعد، قيل : تكلمت صغيرة، وقيل : لم ترضع ثدياً قط، خلاف ما تقدم، وكان رزقها ينزل عليها من الجنة.


الصفحة التالية
Icon