الإشارة :﴿إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين﴾، إنما اصطفى الحق تعالى هؤلاء الرسل ؛ لكونهم قد أظهروا الدين بعد انطماس أنواره، وجددوه بعد خمود أسراره، هم أئمة الهدى ومقتبس أنوار الاقتداء، فكل من كان على قدمهم من هذه الأمة المحمدية، بحيث يجدد للناس دينهم، ويُبين للناس معالم الطريق وطريق السلوك إلى عين التحقيق، فهو ممن اصطفاه الله على عالمي زمانه. وفي الحيدث :" إنَّ الله يَبْعَثُ عَلَى رَأسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لهذه الأمة دِينَهَا " قال الحريري :(مات الحسن البصري عشية جمعة - أي : بعد زوالها - فلما صلّى الناس الجمعة حملوه، فلم يترك الناس صلاة العصر في مسجد الجماعة بالبصرة منذ كان الإسلام، إلا يوم مات الحسن، واتبع الناس جنازته، فلم يحضر أحد في المسجد صلاة العصر، قال : وسمعت منادياً ينادي :﴿إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين﴾، واصطفى الحسن على أهل زمانه. قلت : والحسن البصري هو الذي أظهر علم التصوّف، وتكلم فيه وهذبه. قال في القوت : وهو إمامنا في هذا العلم - يعني علم التصوف.
وقوله تعالى :﴿إذ قالت امرأة عمران﴾... الآية. كُلُّ من ذنر نفسه وحررها لخدمة مولاه، تقبلها الله منه بقبول حسن، وأنبت فيها المعرفة نباتاً حسناً، وكفلها بحفظه ورعايته، وضمها إليه بسابق عنايته، ورزقها من طُرَفِ الحكم وفواكه العلوم، مما لا يتحيط به العقول وغاية الفهوم، فإذا قال لنفسه : من أين لك هذا ؟ ﴿قالت : هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾. وأنشدوا :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣١١
فَلاَ عَمَلٌ مِنِّي إليه اكْتَسَبْتُه
سِوَى مَحْضِ فَضْلٍ، لا بشيءٍ يُعلَّلُ


الصفحة التالية
Icon