يقول الحقّ جلّ جلاله : مخبراً عن زكريا عليه السلام :﴿هنالك﴾ أي : في ذلك الوقت الذي رأى من الخوارق عند مريم، ﴿دعا زكريا ربه﴾، فدخل المحراب، وغلق الأبواب، وقال في مناجاته :﴿ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة﴾، كما وهبتها لحنَّة العجوز العاقر، ﴿إنك سميع الدعاء﴾ أي : مجيبه فاسمع دعائي يا مجيب، ﴿فنادته الملائكة﴾، وهو جبريل، لأنه رئيس الملائكة، والعرب تنادي الرئيس بلفظ الجميع ؛ إذ لا يخلو من أصحاب، ﴿وهو قائم يصلي في المحراب﴾ رُوِيَ : أنه كان قائماً يصلّي في محرابه، فدخل عليه شاب، عليه ثياب بيض، ففزع منه، فناداه، وقال له :﴿إن الله يبشرك بيحيى﴾، سمي به ؛ لأن الله تعالى أحيا به عقم أمه، أو لأن الله تعالى أحيا قلبه بمعرفته، فلم يهم بمعصية قط، أو لأنه استشهد، والشهداء أحياء.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣١٤
مصدقاً بكلمة من الله﴾
وهو عيسى، لأنه كان بكلمة : كُنْ، من غير سبب عادي، و ﴿سيداً﴾ أي : يسود قومه يوفُوقهم، و ﴿حصوراً﴾، أي : مبالغاً في حبس النفس عن الشهوات والملاهي. رُوِيَ أنه مرَّ في صباه على صبيان، فدعوه إلى اللعب، فقال : ما للعب خلقت، أو عِنِّيناً، رُوِيَ :" أنه كان له ذَكَرٌ كالقذاة " رواه ابن عباس. وقال في الأساس :(رجل حصور : لا يرغب في النساء). قيل : كان ذلك فضيلة في تلك الشريعة، بخلاف شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وفي الورتجبي : الحصور : الذي يملك ولا يُملك. وقال القشيري :﴿حصوراً﴾ : أي : مُعْتَقاً من الشهوات، مَكْفِيّاً أحكام البشرية، مع كونه من جملة البشر، ﴿ونبيّاً من الصالحين﴾ الذي صلحوا للنبوة وتأهلوا للحضرة.
٣١٥


الصفحة التالية
Icon