﴿يا مريم اقنتي لربك﴾ أي : أطيلي الصلاة شكراً لما اختصك به، ﴿واسجدي واركعي مع الراكعين﴾ أي : صلِّي مع المصلين، وقدَّم السجود على الركوع، أما لكونه كذلك في شرعهم، أو للتنبيه على أن الواو لا ترتب، أو ليقترن ﴿اركعي﴾ بالراكعين، للإيذان بأنَّ من ليس في صلاتهم ركوعٌ ليسوا بمصلين. وقيل : المراد بالقنوت : إدامة الطاعة، كقوله :﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ الَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً﴾ [الزمر : ٩]، وبالسجود، الصلاة، لقوله :﴿وإدبار السجود﴾، وبالركوع : الخشوع والإخبات. قاله البيضاوي. وقال
٣١٧
الأوزاعي : لما قالت لها الملائكة ذلك، قامت في الصلاة حتى تورمت قدمها وسالت دماً وقَيْحاً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣١٧
الإشارة : لا يصطفي الله العبدَ لحضرته إلا بعد تطهيره من الرذائل، وتحليته بأنواع الفضائل، وقطعه عن قلبه الشواغل، والقيام بوظائف العبودية، وبالآداب مع عظمة الربوبية، والخضوم تحت مجاري الأقدار، والتسليم لأحكام الواحد القهار، فأنفاس المريد ثلاثة : عبادة، ثم عبودية، ثم عبودة، ثم يترقى إلى مطالعة علم الغيوب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣١٧
يقول الحقّ جلّ جلاله : لحبيبه ﷺ :﴿ذلك﴾ القصص الذي أطلعتك عليه، هو ﴿من﴾ أخبار ﴿الغيب﴾ الذي لم يكن لك به شعور، وما عرفته إلا بوحينا وإعلامنا، فلا يشك في نبوتك إلا مطموس أعمى، ﴿و﴾ أيضاً :﴿ما كنت لديهم﴾ أي : عندهم، حين كانوا ﴿يلقون أقلامهم﴾ لما اقترعوا، ﴿أيهم يكفل مريم، وما كنت لديهم إذ يختصمون﴾ في كفالتها، فتخبرهم عما شهدت، بل لم يكن شيء من ذلك، فتعين أن يكون وحياً حقيقيّاً، لأنه عليه الصلاة والسلام - كان أمياً لم يطالع شيئاً من كتب الأخبار، ولا جلس إلى من طالعهم من الأحبار، بإجماع الخاص والعام. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon