يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿و﴾ اذكر أيضاً ﴿إذ قالت الملائكة﴾ في بشارتهم لمريم :﴿يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه﴾، أي : بولد يتكوَّن بكلمة من الله ؛ كن فيكون، وقيل : إنما سمى كلمة ؛ لكونه مظهراً لكلمة التكوين، متحققاً ومتصرفاً بها. ولذلك كان يظهر عليه خوارق الأقدار أكثر من غيره من الأنبياء، ﴿اسمه المسيح﴾، واسمه ﴿عيسى ابن مريم﴾، وإنما قال :﴿ابن مريم﴾ والخطاب لها، تنبيهاً على أنه يولد من غير أب ؛ إذ الأولاد إنما تنسب لأبائها إلا إذا فقد الأب. ثم وصف الولد بقوله :﴿وجيهاً في الدنيا والآخرة﴾ أي : شريفاً في الدنيا بالنبوة والرسالة، وفي الآخرة بالشفاعة لمن تبعه. ويكون ﴿من المقربين﴾ إلى الله تعالى في الدارين.
﴿ويكلم الناس﴾ طفلاً ﴿في المهد﴾ على وجه خَرْق العادة في تبرئة أمه، ﴿وكهلاً﴾ إذا كمل عقله قبل أن يرفع، أو بعد الرفع والنزول، لأن الكهولة بعد الأربعين،
٣١٩
والتحقيق : أنه بشرها بنبوة عيسى وكلامه في المهد، معجزةً، وفي الكهولة دعوة قبل الرفع وبعده، وما قاربَ يُعطي حكمه، وحال كونه ﴿من الصالحين﴾ لحضرة رب العالمين.


الصفحة التالية
Icon