ولما سمعت البشارة دهشت و ﴿قالت﴾ : يا ﴿رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر﴾، والخطاب لله، فانية عن الواسطة جبريل، والاستفهام تعجباً، أو عن الكيفية : هل يكون بتزوج أم لا ؟ ﴿قال﴾ لها الملك :﴿كذلك الله يخلق ما يشاء﴾. أو الأمر كذلك كما تقولين، لكن ﴿الله يخلق ما يشاء﴾ ؛ لا يحتاج إلى وسائط ولا أسباب، بل ﴿إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون﴾، ﴿ويعلمه الكتاب﴾ أي : الكتابة والخط، ﴿والحكمة﴾ أي : النبوة، أو الإصابة في الرأي :﴿والتوراة والإنجيل﴾. ﴿و﴾ يجعله ﴿رسولاً إلى بني إسرائيل﴾. وكان أول رسل بني إسرائيل يوسف، وآخرهم عيسى - عليهما السلام -، وقال : عليه الصلاة والسلام :" بُعثْتُ على إِثْرِ ثمانية آلاف نبيّ، أربعة آلاف من بني إسرائيل " فإذا بعث إليهم قال :﴿أني قد جئتكم بآية من ربكم﴾ أي : بأني قد جئتكم آية من ربكم، قالوا : وما هي ؟ قال :﴿أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير﴾ ؛ كصورته، ﴿فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله﴾، وكان يخلق لهم صورة الخفاش، لأنها أكمل الطير ؛ لأن لها ثدياً وأسناناً وتحيض وتطير، فيكون أبلغ في المعجزة، وكان يطير ما دام الناس ينظرون إليه، فإذا غاب عنهم سقط ميتاً ؛ ليتميز فعل الحق من فعل الخلق،
ثم قال لهم : ولي معجزة أخرى ؛ أني ﴿أبرئ الأكمه﴾ الذي ولد أعمى، فأحرى غيره ﴿والأبرص﴾ الذي فيه وضح. وخصهما ؛ لأنهما عاهتان معضلتان. وكان الغالب في زمن عيسى الطب، فأراهم المعجزة من جنس ذلك. رُوِي : أنه ربما اجتمع عليه من المرضى في اليوم الواحد ألوف، من أطاف منهم البلوغ أتاه، ومن لم يطق أتاه عيسى عليه السلام، وإنما كان يداويهم بالدعاء على شرط الإسلام.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣١٨


الصفحة التالية
Icon