قال عطاء : سَلَمَتْ مريمُ عيسى إلى أعمال شتى، وآخر ما دفعته إلى الحواريين، وكانوا قصَّارين وصباغين، فأراد مُعلّم عيسى السفر، فقال لعيسى : عندي ثياب كثيرة مختلفة الألوان، وقد علمتك الحرفة فاصبغها، فطبخ جُبّاً، واحداً، وأدخل فيه جميع الثياب، وقال لها : كوني على ما أريد، فقدم الحواريُ، والثياب كلها في الجب، فلما رآها قال : قد أفسدتها، فأخرج عيسى ثوباً أصفر، وأحمر، وأخضر، إلى غير ذلك، فعجب الحواري، وعلم أنَّ ذلك من الله تعالى، ودعا الناس إليه، وآمنوا به، ونصروه، فهم الحواريون.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٢
ولما أخرجه بنو إسرائيل عاد إليهم مع الحواريين، وصاح فيهم بالدعوة، فهمُّوا بقتله، وتواطؤوا عليه، ﴿ومكروا﴾ أي : دبروا الحيل في قتله، ﴿ومكر الله﴾ بهم، أي : استدرجهم حتى قتلوا صاحبهم، ورُفع عيسى عليه السلام، فالمكر في الأصل : هو حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة. ولا تُسند إلى الله إلى على حسب المقابلة والازدواج : كقوله :﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ النِّساء : ١٤٢]، وقوله :﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة : ١٥]، ﴿والله خير الماكرين﴾. أي : أشدهم مكراً، وأقواهم على إيصال الضرر من حيث لا يحتسب، أو أفضل المجازين بالعقوبة ؛ لأنه لا أحد أقدر على ذلك منه.
٣٢٣
تنبيه : قيل للجنيد رضي الله عنه : كيف رَضِيَ المكرَ لنفسه، وقد عابه على غيره ؟ قال : لا أدري، ولكن أنشدني فلان للطبرانية :
فديتُك قد جُبِلْتُ على هواكَ
ونفْسِي ما تَحِنُّ إلى سِوَاكَ
> أُحِبّك، لا بِبَعْضِي بل بكُلِّي
وإن يُبْقِ حُبُّكَ لي حِرَاكَا
وَيَقْبُحُ مِنْ سِوَاكَ الْفِعْلُ عِنْدي
وتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْكَ ذَاكَ
فقال له السائل : أسألُك عن القرآن، وتجيبني بشعر الطبرانية ؟ قال : ويحك، قد أجبتك إن كنت تعقل. إنَّ تخليته إياهم مع المكرية، مكرٌ منه بهم. هـ.


الصفحة التالية
Icon