قلت : وجه الشاهد في قوله :(وتفعله فيحسن منك ذاك)، ومضمن جوابه : أن فعل الله كله حسن في غاية الإتقان، لا عيب فيه ولا نقصان، كما قال صاحب العينية :
وَكلُّ قبِيح إنْ نَسَبْتَ لِحُسْنِهِ
أَتَتْكَ مَعَانِي الْحُسْنِ فِيهِ تُسَارعُ
يُكَمِّلُ نُقصَانَ الْقَبِيحِ جَمَالُهُ
فَما ثَمَّ نُقْصَانٌ وَلاَ ثَمَّ بَاشِعُ
وتخليته تعالى إياهم مع المكر، تسبب عنه الرفع إلى السماء، وإبقاء عيسى حيّاً إلى آخر الزمان، حتى ينزل خليفة عن نبينا - عليه الصلاة والسلام -، فكان ذلك في غاية الكمال والإتقان، لكن لا يفطن لهذا إلا أهل العرفان.
الإشارة : يجب على المريد الصادق الذي يطلب دواء قلبه، أن يفر من الوطن الذي يظهر فيه الإنكار، إلى الوطن الذي يكثر فيه الإقرار، يفر إلى من يعينه على نصر الدين من الأبرار المقربين، الذين يجعلهم الله حواري الدين، ففي الحديث الصحيح :" خَيْرُ مالِ المُسْلِم غَنَمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجِبَالِ يَفِرُّ مِنَ الْفِتَنِ " فالمؤمن يفر بدينه من شاهق جبل إلى شاهق جبل حتى يدركه الموت، وما زالت الأكابر تفر بنفسها إلى شواهق الجبال، يهربون من حس الدنيا وشغبها، ولا يرافقون إلا من يستعين بهم على ذكر الله، وهم أهل التجريد، الذي اصطفاهم الله لخالص التوحيد، فروا إلى الله فآواهم الله، قالوا :﴿آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون﴾ منقادون لما تريد منا، ﴿ربنا آمنا بما أنزلت﴾ من الأحكام الجلالية والجمالية، قد عرفناك في جميع الحالات، ﴿فاكتبنا مع الشاهدين﴾ لحضرتك، المنعمين بشهود ذاتك، ومن مكر بنا من القواطع الخفية فَغَيَّبنا عنه بشهود أنوارك القدسية، وانصرنا فإنك خير الناصرين، ولا تدعنا مع مكر الماكرين يا رب العالمين.
٣٢٤
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٢


الصفحة التالية
Icon