قلت :﴿إذ قال﴾ : ظرف لمقدر، أي : اذكر، أو وقع ذلك إذ قال، أو لمكروا، و ﴿متوفيك﴾ أي : رافعك إليَّ وافياً تاماً، من قولهم : توفيت كذا واستوفيته : قبضته وافياً تامّاً، أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت، أو منيمك ؛ بدليل قوله تعالى :﴿وَهُوَا الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ﴾ [الأنعَام : ٦٠]، رُوِيَ أنه رُفع نائماً، والإجماع على أنه لم يمت، قال تعالى :﴿وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم﴾، وقوله :﴿ذلك﴾ مبتدأ، و ﴿نتلوه﴾ : خبر، و ﴿من الآيات﴾ : حال، أو ﴿من الآيات﴾ : خبر، و ﴿نتلوه﴾ : حال، أو خبر بعد خبر.
يقول الحقّ جلّ جلاله : اذكر ﴿إذ قال الله﴾ لعيسى عليه السلام لما أراد رفعه :﴿يا عيسى إني متوفيك﴾، أي : قابضك إليّ ببدنك تامّاً، ﴿ورافعك إليَّ﴾ أي : إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي، ﴿ومطهرك من الذين كفروا﴾ أي : من مخالطة دنس كفرهم، ﴿وجاعل الذين اتبعوك﴾ ؛ ممن صدق بنبوتك من النصارى والمسلمين، وقال قتادة والشعبي والربيع : هم أهل الإسلام. هـ. فوالله ما اتبعه من ادعاه ربا، فمن تبع دينه حقّاً وقد حقق الله فيهم هذا الأمر، فإن اليهود لم ترفع لهم راية قط، ولم يتفق لهم ملك ولا دولة إلى زمننا هذا.
ثم قال تعالى :﴿ثم إليَّ مرجعكم﴾ بالبعث، ﴿فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون﴾ من أمر الدين وأمر عيسى. ﴿فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة﴾ أي : فأجمع لهم عذاباً الآخرة لعذاب الدنيا الذي أصابهم فيها من القتل والسبي. ﴿وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فنوفيهم أجورهم﴾ في الدارين بالنصر
٣٢٥
والعز في الدنيا، وبالرضا والرضوان في الآخرة، ﴿والله لا يحب الظالمين﴾ ؛ لا يرضى فعلهم ولا يقربهم إليه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٥


الصفحة التالية
Icon