ذلك} الذي ذكرت لك من نبأ عيسى ومريم ومن ذكر قبلهما، ﴿نتلوه عليك من الآيات﴾ أي : العلامات الدالة على صدقك، لأنها أخبار عن أمور لم تشاهدها ولم تقرأها في كتاب، بل هي من ﴿الذكر الحكيم﴾، وهو القرآن المبين.
الإشارة : كل ما طهر سره من الأكدار، وقدس روحه من دنس الأغيار، ورفع همته عن هذه الدار، عرج الله بروحه إلى سماء الملكوت، ورفع سره إلى مشاهدة سنا الجبروت، وبقي ذكره حيّاً لا يموت، وجعل من انتسب إليه في عين الرعاية والتعظيم، وفي محل الرفعة والتكريم، قال - عليه الصلاة والسلام - :" هَاجِرُوا تكسبوا العز لأولادكم "، فمن هاجر وطن الحظوظ والشهوات، والركون إلى العوائد والمألوفات، عرجت روحه إلى سماء القدس ومحل الأنس، وتمكن من العز الذي لا يفنى، ينسحب عليه وعلى أولاده ومن انتسب إليه ؛ إلى أن يرث الأرض ومن عليها، ﴿وهو خير الوارثين﴾. هذه سنة الله في خلقه، لأنهم نصروا دين الله ورفعوا كلمة الله، فنصرهم الله، ورفعهم الله، قال تعالى :﴿إِن تَنصُروُاْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [محَمَّد : ٧]، وقال تعالى :﴿وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا﴾ [التّوبَة : ٤٠]. وفي الحكم :" إن أردت أن يكون لك عز لا يفنى، فلا تستعزن بعز يفنى ". والله تعالى أعلم.
وقال القشيري : الإشارة فيه : إني متوفيك عنك وقابضك منك، ورافعك عن نعوت البشرية، ومطهرك عن إرادتك بالكلية، حتى تكون مصدقاً لنا بنا، ولا يكون لك من اختيارك شيء، وتكون إسبال التولي عليك قائماً، وبهذا الوصف كان يظهر على يده إحياء الموتى، وما كانت تلك الأحداث حاصلة إلا بالقدرة عليه. هـ. وقال الورتجبي : متوفيك عن رسم الحدوثية، ورافعك إليَّ بنعت الربوبية، ومطهرك عن شوائب البشرية. هـ.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٥


الصفحة التالية
Icon