فلما قرأ النبيّ ﷺ هذه الآية على وفد نجران، ودعاهم إلى المباهلة، قالوا : حتى نرجع وننظر في أمرنا، فقالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - : ما ترى ؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبيّ مرسل، ولقد جاءكم بالفَصْل من أمر صاحبكم، والله ما لاعن قومٌ قط نبيّاً فعاش كبيرُهم، ولا نبت صغيرُهم، ولئن فعلتم ذلك لتهلكن، فوادِعُوا الرَّجُلَ : وانصرفوا، فأتوه وهو محتضنٌ الحسن آخذ بيد الحسين، وفاطمةُ تمشي خلفه، وعَلِيّ خلفها، وهو يقول لهم :" إِذَا دَعَوْتُ فَأمِّنُوا "، فقال الأسقُف : يا معشر النصارى، إني لأرى وجُوهاً لو سألوا الله أن يُزيل جبلاً من ماكنه لأزاله، فلا تتباهلوا فتهلكوا جميعاً إلى يوم القيامة. فقالوا : يا أبا القاسم، نرى ألا نلاعنك، فقال النبيّ صلى لله عليه وسلم :" أسْلِمُوا يَكُنْ لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم "، فأَبَوا، فقال :" إني أُنابذكم "، فقال : ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكنا نصالحك على ألا تغزونا ولا تَرُدَّنا عن ديننا، على أن نؤدي إليك في كل عام ألفَيْ حلة، ألفاً في صَفَر، وألفاً في رجب، وثلاثين درعاً من حديد. فصالحهم النبيّ ﷺ على ذلك، فقال النبيّ :" والذي نفسي بيده لو تلاعنوا لمُسِخُوا قِرَدَة، وخَنَازِيرَ، ولأضْرَمَ عَلَيْهِمْ الوَادِي نَاراً ولاستأصَل اللّهُ نَجْرَان وأهْلَهُ، ولَمَا حَالَ الحَوْلُ على النَّصَارى كُلِّهِْ حَتى هَلكوا ". قال الله تعالى :﴿إن هذا﴾ الذي أوحينا إليك ﴿لهو القصص الحق وما من إله إلا الله﴾، خلافاً لما يزعم النصارى من التثليث، ﴿وإن الله لهو العزيز﴾ في ملكه ﴿الحكيم﴾ في صنعه، فلا أحد يساويه في قدرته التامة، ولا في حكمته البالغة، ﴿فإن تولوا﴾ وأعرضوا عن الإيمان، ﴿فإن الله عليم بالمفسدين﴾، الذي يعبدون غير الله. ووضع المظهر موضع الضمير، ليدل على أن التولي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدين، بل يؤدي


الصفحة التالية
Icon