ولما قدم وفدُ نجران المدينة، التقوا مع اليهود، فاختصموا في إبراهيم عليه السلام فأتاهم النبيّ ﷺ، فقالوا : يا محمد إنا اختلفنا في إبراهيم ودنيه، فقالت النصارى : كان نصرانيّاً، وقالت اليهود : كان يهوديّاً، وهم أولى الناس به، فقال النبيّ ﷺ :" كلا الفريقين بريء من إبراهيم، بل كان إبراهيم حنيفاً مسلماً، وأنا على دينه، فاتبعوا دينه الإسلام ".
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٠
قلت :﴿ها أنتم﴾ : أصله : أنتم، دخلت عليه هاء التنبيه، وقال الأخفش : أصله : أأنتم، فقلبت الهمزة الأولى هاء، كقوله : هرقت. وتوجيه القراءات معلوم في محله، و ﴿أنتم﴾ : مبتدأ، و ﴿هؤلاء﴾ : خبره، و ﴿حاججتم﴾ : جملة مبينة للأولى، أو ﴿حاججتم﴾ : خبر، و ﴿هؤلاء﴾ : منادى بحذف النداء، و ﴿حنيفاً﴾ : حال، أي : مائلاً عن الأديان إلا دين الإسلام.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أهل الكتاب لم تُحاجون في إبراهيم﴾، ويدعي كل فريق أنه كان على دينه، ﴿وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده﴾، فكيف يكون يهوديّاً، ودينكم إنما حدث بعد إبراهيم بألف سنة ؟ ! وكيف يكون نصرانيّاً، ودين النصارنية إنما ظهر بعد إبراهيم بألفي سنة ؟ ! ﴿أفلا تعقلون﴾ فتدعون المحال، ﴿هاأنتم﴾ يا ﴿هؤلاء﴾ الحمقى ﴿حاججتم فيما لكم به علم﴾ من أمر محمد - عليه الصلاة والسلام - ونبوته، مما وجدتموه في التوراة والإنجيل، فأنكرتموه عناداً وحسداً، فَلِمَ تجادلون فيما لا علم لكم به، ولا ذكر في كتابكم من شأن إبراهيم ؟ ﴿والله يعلم﴾ ما خصمتم فيه، ﴿وأنتم لا تعلمون﴾، بل أنتم جاهلون.


الصفحة التالية
Icon