قال الحسن والسدي : تواطأ اثنا عشر رجلاً من يهود خيبر - يعني من أحبارهم - وقال بعضهم لبعض : ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان لا بالاعتقاد، واكفروا به آخره، وقولوا : نظرنا في كتبنا، وشاورنا علماءنا، فوجدنا محمداً ليس بذلك، وظهر لنا كذبه، وإنما نفعل ذلك حتى نشكك أصحابه. هـ. فحذَّر الله المسلمين من قولهم، فقال جلّ جلاله :﴿وقالت طائفة من أهل الكتاب﴾ يعني : أحبارهم :﴿آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا﴾ وأظهروا الدخول في دينهم، ﴿وجه النهار وكفروا آخره﴾ وقولوا : نظرنا في كتبنا، وشاورنا علماءنا، فلم نجد محمداً بالنعت الذي في التوراة، لعل أصحابه يشكون فيه - لعنهم الله وأضلّ سعيهم.
وقيل : نزلت في شأن الكعبة، فإنَّ كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف - من اليهود - قالا لأصحابهما : صلّوا معهم إلى الكعبة أول النهار، ثم صلّوا إلى الصخرة آخره، لعلهم يقولون : هم أعلم منا، وقد رجعوا، فيرجعون، ففضحهم الله وأبطل حيلهم الواهية.
الإشارة : ترى كثيراً من الناس يدخلون في طريق القوم، ثم تثقل عليهم أعباؤها، فيخرجون منها ؛ إما لضعفهم عن حملها، أو لكونهم دخلوا مختبرين لها، أو على حرف أو حيلة لغيرهم، فإذا رجع أحد منهم قال الناس : لو كانت صحيحة ما رجع فلان عنها، ويصدون الناس عن الدخول فيها والدوام عليها، وهذه نزعة إسرائيلية، قالوا : آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون وقد قال عليه الصلاة والسلام :" لتَسْلُكن سَنَنَ مَنْ قَبْلكم شِبْراً، وذِرَاعاً بذرَاع، حتى لَوْ دَخلُوا جُحْر ضَبٍّ لدخلْتُموه، قالوا : اليَهُود والنًّصَارَى ؟ قال : نعم، فَمنْ إذن " وبالله التوفيق.
٣٣٣
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٣