﴿ولا يأمركم﴾ ذلك البشر الذي خصه الله بالنبوة، ﴿أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً﴾ من دون الله، ﴿أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون﴾ أي : مناقدون لأحكام الله. قيل : سبب نزول الآية : أن نصارى نجران قالوا : يا محمد ؛ تريد أن نعبدك ونتخذك ربّاً ؟ فقال النبيّ ﷺ :" معاذ الله أن نعبد غيرَ الله، أو نَأمُرَ بعبادة غيره " وقيل : إن رجلاً قال : يا رسول الله : نُسلِّم عليك كما يُسلِّم بعضُنا على بعض، أفلا نسجُد لك ؟ فقال :" لا يَنْبَغِي ان يسجد احدٌ لأحدٍ من دُونِ اللهِ، ولكنْ أكْرِموا نَبِيَّكُمْ، واعْرِفُوا الحقَّ لأَهْلِه ". الإشارة : ما زال الفقراء يعظمون أشياخهم، ويبالغون في ذلك حتى يُقبِّلون أرجلهم والترابَ بين أيديهم، ويجتهدون في خدمتهم، فإذا رءاهم الأشياخ فعلوا ذلك سكتوا عنهم، لأن ذلك هو ربحهم وسبب فتحهم، وفي ذلك قال القائل :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٨
بذَبْح النفوس وحط الرؤوس تُصفى الكؤوس
لكنهم يرشدونهم إلى الحضرة، حتى يفنوهم عن شهود الواسطة، فيكون تعظيمهم وحط رأسهم إنما هو لله لا لغيره، وحينئذٍ يكونون ربانيين، علماء بالله مقربين، وكان شيخنا يقول : لا تزوروني على أني شيخكم، ولكن اعرفوا فينا، وافنوا عن رؤية حسناً، حتى يكون التعظيم إنما هو لله ربنا. هـ. فدلالة الأشياخ للفقراء على التعظيم والأدب ليس ذلك مقصوداً لأنفسهم، وحاشاهم من ذلك. ما كان لبشر أن يؤتيه الله الخصوصية ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله، ولكن يقول لهم : كونوا ربانيين عارفين بالله، حتى يكون تعظيمكم إنما هو لله، ولا يأمر أيضاً بالفرق حتى يتخذوا الأشياء أرباباً
٣٣٩
من دون الله، ولكن يأمر بالجمع حتى يغيبوا عما سوى الله، وكيف يأمرهم بالفرق، وهو إنما يدلهم على الجمع ؟ أيأمرهم بالكفر بعد أن كانوا مسلمين. ولله تعالى أعلم.