وقال الشيخ أبو عبد الله القرشي : حقيقة المحبة أن تهب كُلَّكَ لمن أحببته، حتى لا يبقى لك منك شيء. هـ. وقال الجنيد رضي الله عنه : لن تناولا محبة الله حتى تسخُوا بأنفسكم لله. هـ.
ولما قال عليه الصلاة والسلام لليهود :" أنا على ملة إبراهيم " - كما تقدم - قالوا : كيف تكون على ملة إبراهيم، وأنت تأكل لحوم الإبل وإلبانها ؟، وكان ذلك حراماً على إبراهيم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٦
قلت :﴿إسرائيل﴾ : هو يعقوب عليه السلام.
قول الحقّ جلّ جلاله :﴿كل الطعام كان﴾ حلالاً على بني إسرائيل، كما كان حلالاً على الأنبياء كلهم، ﴿إلا ما حرم إسرائيل﴾ أي : يعقوب، ﴿على نفسه﴾، كلحوم الإبل وألبانها، قيل : كان به عرق النسا، فنذر : إن شفاه الله لم يأكل أحب الطعام إليه، وكان ذلك أحب الطعام إليه. وقيل : فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطباء، فترك ذلك بنوه ولم يحرم عليهم في التوراة، وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم.
فالطعام كله كان حلالاً على بني إسرائيل وعلى الأنبياء كلهم قبل نزول التوراة، فلما نزلت التوراة حرم الله عليهم أشياء من الطيبات لظلمهم وبغيهم، فإن ادعوا أن لحوم الإبل كانت حراماً على إبراهيم، وأن كل ما حرم عليهم كان حراماً على إبراهيم وعلى الأنبياء قبله، فقل لهم : كذبتم ؛ ﴿فأتوا بالتوراة فاتلوها﴾ هل تجدون ذلك فيها ؟ ﴿إن كنتم صادقين﴾ في قولكم : إنَّ كل شيء حرم عليكم كان حراماً على إبراهيم، رُوِيَ : أنه - عليه الصلاة والسلام - لما قال لهم ذلك بهتوا، ولم يجسروا أن يأتوا بالتوراة، فتبين افتراؤهم على الله ؛ ﴿فمن افترى على الله الكذب﴾ بزعمه أن الله حرَّم لحوم الإبل وألبانها قبل نزول التوراة، ﴿من بعد ذلك﴾ البيان وإلزامهم الحجة، ﴿من بعد ذلك﴾ المكابرون بالباطل بعدما وضَح الحق.


الصفحة التالية
Icon